يتطرق الروائي الجزائري، محمد ساري، في آخر عمل له، الذي عنونه بـ “حكاية أسفار” إلى عدد من الرحلات والتجارب التي خاضها شخصيا، من خلال نصوص سردية متفرقة، كاشفا من خلالها رغبته الملحة في تعلم المزيد عن العالم والإنسان، حيث يروي رحلته إلى فرنسا ومصر.. وغيرها من البلدان.
وقدم ساري روايته هذه بأسلوب سهل سواء من الجانب السردي والجمالي وحتى من حيث اللغة المعتمدة في التعبير، حيث سبر الروائي على امتداد 258 صفحة، أغوار الذاكرة مسترجعا أسفاره التي أداها منذ طفولته بقرية جبلية بالقرب من مدينة شرشال الساحلية، معرجا في نفس الوقت على الرحلات العديدة التي أداها بعدد من البلدان حيث ذكر مصر وفرنسا.
وأفاد ذات المؤلف أن “هذا الإصدار يحتوي بين دفتيه على نصوص سردية متفرقة، يجمع بينها قاسم مشترك هو التجربة المعيشية، سواء تلك التي خبرتها طيلة حياتي، أو تلك التي سمعتها عن أشخاص مقربين والتي شكلت بالنسبة لهم إما حسرة أو سرورا، ولقد كانت هذه الأسفار متعبة في البداية، حيث أجبرت أنا وعائلتي منذ الترحيل الجماعي لسكان منطقة كاملة إبان حرب التحرير فرارا من جحيم قنابل البطش الإستعماري، وما تلاها من ترحال في السنوات الأولى للاستقلال والنزوح نحو المدينة بحثا عن سكن مريح ومدرسة”.
ويفتتح الأديب عمله هذا، الذي صدر عن منشورات “المؤسسة الوطنية للإتصال والنشر والإشهار”، باسترجاع أول أسفاره “القهرية” وهو صغير لما تم تهجير عائلته وبقية سكان قريته من طرف الاستعمار الفرنسي لتستقر في ما بعد بشرشال، المدينة التي بسطت نفسها لخطاه، كما استذكر أيام الكشافة التي انضم إليها وهو صغير، مؤكدا أنها غرست فيه حب السفر لأبعد الحدود وشغف الترحال واكتشاف الأماكن الجديدة.
وكانت فرنسا، أولى محطات سفر الروائي الخارجية، وكانت مدينة باريس حينها قد تركت فيه أكبر الأثر لكونها أنارت له آفاق “خفايا النشاط السياسي” وقضايا “القمع والإضطهاد” التي كانت منتشرة أكثر في البلدان العربية الاشتراكية خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، والتي كان يطلع عليها من خلال الصحف العربية التي كانت تصدر هناك واللقاءات التي جمعته بالعديد من المثقفين اليساريين “المنفيين” من بلدانهم.
كما يعرج الأديب على رحلته نحو المغرب في حدود الثمانينيات وزيارته لمدينة الدار البيضاء التي تعرّف فيها على العديد من مثقفي البلاد، على غرار المفكر محمد عابد الجابري والشاعر محمد بنيس.. كما أن من الجلي على كتاباته، ذلك الأثر البليغ الذي تركته مصر عليه وعلى أفكاره ووجدانه وبالأخص عاصمتها القاهرة، التي اختزلت له تاريخ مصر وحضارتها القديمة وثقافتها وأدبها بالإضافة إلى مدينة الفيوم التي أطلعته على العديد من أسرار تاريخها الفرعوني المجيد.
وتتلخص “حكاية أسفار” في كونها مجموعة من النصوص المتباينة من حيث مضمونها وزمانها ومكانها.. والتي حاول ساري من خلالها أن يثير خارجا، كل ما يجول بخاطره من أفكار وآراء ووجهات نظر وقناعات من خلال ما أجراه من تحليلات اجتماعية ونفسية للمجتمع الجزائري وتأمل في مختلف الظواهر السلبية التي رافقته منذ الاستقلال كالنزوح الريفي والهجرة..”.