الجزائر- بقي الاقتصاد الجزائري حتى الألفية الجديدة مرتبطا ارتباطا وثيقا بعائدات المحروقات، وبدا ذلك واضحا من خلال سيطرة هذا القطاع على أعلى نسبة من الصادرات الجزائرية، وبالتالي إسهامه في تنمية مختلف
القطاعات، لذلك فافتقار الصادرات الجزائرية إلى التكامل جعل البلد في وضع صعب نظرا لمحدودية الموارد البترولية والمخاطر التي تنجم عن تقلبات أسعارها، وهو ما حدث بعد نهاية العقد الأول من القرن الحالي حينما شهد العالم زلزالا اقتصاديا خانقا نتيجة تهاوي أسعار المحروقات مست ارتداداته الاقتصاد الجزائري.
وإثر هذا التراجع الحاد لأسعار المحروقات وتداعياته على اقتصاد الجزائر الذي يعتمد بنسبة أكثر من 97 بالمائة في عائداته عليها، عرفت الجزائر تراجع عائداتها الى ما دون النصف، ما جعلها تدخل في أزمة اقتصادية خانقة ولو أنها لم تظهر بوادرها جليا على المواطن الجزائري بصفة مباشرة نتيجة التدابير الاقتصادية السريعة التي اتخذتها الحكومات المتعاقبة أبرزها التوجه إلى التمويل غير التقليدي وطبع النقود والحد من الاستيراد فضلا عن تشجيع قطاعات أخرى غير قطاع المحروقات من أجل تنويع مداخيل الاقتصاد الجزائري.
الخروج من “التبعية” بتشجيعات “الرئيس”
ويتجلى حرص الدولة الجزائرية في النهوض بالقطاعات الاقتصادية وجعلها مصدرا للخروج من التبعية للمحروقات، في رسالة رئيس الجمهورية الأخيرة بمناسبة عيد العمال المصادف ليوم 01 ماي، حيث أكد حرصه الشخصي على تنمية اقتصاد أكثر تنوعا وغير مرهون بأسعار النفط والمحروقات.
وراح الرئيس في رسالته يعدّد ما يمكن لقطاعات الفلاحة والسياحة والخدمات أن يعود بالإيجاب على الاقتصاد الوطني وتنمية شاملة للبلد، حيث ذكر بخصوص قطاع الفلاحة أنه “لا بد أن تولى الأهمية لقطاع الفلاحة من حيث هو مكمن هام لـمناصب الشغل وكذا مصدر لتحسين الأمن الغذائي في بلدنا”.
وبخصوص قطاع السياحة، هذا القطاع الذي ظل مهملا في الجزائر لعدة عقود، فقال رئيس الجمهورية بخصوصه: “لا بد لـما يملكه بلدنا من مُكَسِّبَات في مجال السياحة أن يشجع متعاملينا على مواصلة تنمية هذا القطاع حتى يصبح مصدرا لا يستهان به للإيرادات الخارجية”.
ويضيف الرئيس بخصوص قطاع الخدمات: “أما اقتصاد الخدمات، الذي ما فتئ يتعزز في بلدنا فهو قطاع واعد سيتيح لشبيبتنا فرصة مغالبة تحديات في مستوى قدراتها، وتدعيم اقتصادنا الوطني برمته بأدوات التحديث الناجعة”.
نجاعة الخطة الاقتصادية…”وشهد شاهد من أهلها”
وتهدف حكومة أحمد أويحيى في المدى القصير والمتوسط إلى تحقيق استقرار الاقتصاد الكلي وإنعاش نمو الناتج الداخلي الخام خارج المحروقات واستحداث مناصب عمل خاصة لفائدة النساء والشباب، أما على المدى الطويل، فإن الهدف الرئيس يكمن في تنويع الاقتصاد بمشاركة أوسع للقطاع الخاص.
وفي كل مرة يخرج به صندوق النقد الدولي بتقرير، إلا ويؤكد بأن الجزائر لازالت تتوفر على فرص سانحة من أجل التخلص من تبعيتها للبترول وإرساء اقتصاد متنوع بفضل قيام الحكومة الجزائرية بمجموعة سياسات اقتصادية توفق بين التكييف المالي والنمو.
ويعزي الصندوق دراسته إلى اعتدال أسعار البترول في السوق العالمية ومديونية عمومية ضئيلة ومديونية خارجية تكاد تكون منعدمة واحتياطات صرف معتبرة، وهو ما يعتبرها عوامل تسمح للجزائر ببعث نموها وتدعيم ماليتها العمومية تدريجيا.
مواجهة الأزمة بعيدا عن “جيب المواطن”
ووسط كل هذا، يأتي قانون المالية لسنة 2018 الذي رغم الأزمة الاقتصادية والمالية الخانقة إلا أنه حافظ على التوجه الاجتماعي للدولة ودعم أسعار المواد الأساسية كالخبز والحليب والدواء ومواصلة إنجاز الهياكل القاعدية في قطاعات الصحة والسكن والتربية والتعليم، كما أن بعض الرسوم الرمزية التي أقرها كتلك التي تتعلق بحماية البيئة والمحيط أو حتى الزيادات في أسعار الوقود لا تؤثر بشكل كبير على القدرة الشرائية للمواطن البسيط.
وجاء قرار بوتفليقة، شهر جوان الماضي، إلغاء الزيادات المقترحة في رسوم إصدار الوثائق الإدارية التي اقترحتها حكومة أويحيى، ليضاف إلى قرارات أخرى خلال الأسابيع السابقة، تتعلق برفض ضخ ميزانيات إضافية لبعض القطاعات، وحظر منح عقود الامتياز الزراعية للمستثمرين الأجانب الذي جاء في قانون الموازنة التكميلي المقدم من الحكومة، بالإضافة إلى تجميد خطط للخصخصة.
رهانات تُعقد على القطاعات الثلاثة للنهوض باقتصاد البلد
التجارة، السياحة والفلاحة …”الثالوث” القادم
بعد أزمة تهاوي أسعار النفط والمحروقات، وصلت الحكومة الجزائرية إلى قناعة مفادها أن حل معضلة الاقتصاد الجزائري تكمن في الإنتاج خارج قطاع المحروقات، وأن الجزائر أصبحت ملزمة، أكثر من أي وقت، بتحويل اقتصادها إلى اقتصاد منتج يُمّكنه من امتصاص أي صدمة نفطية، ما جعلها تولي اهتماما أكبر ببعض القطاعات المنتجة الأخرى، مثل التجارة والسياحة والفلاحة.
إجراءات وتدابير هامة لإنقاذ “السياحة “
اتخذت وزارة السياحة عديد الإجراءات والتدابير الخاصة تهدف إلى إعادة بناء سياحة وطنية تلبي حاجيات المواطن في شتى المجالات السياحة الشاطئية، الجبلية، الصحراوية، الحموية وغيرها، ومن أجل تطبيق برنامج رئيس الجمهورية القاضي بجعل القطاع يسهم في المدخول الوطني بنسبة 15 إلى 20 بالمائة في آفاق سنة 2030.
وما يدل على الرغبة في ترقية السياحة في الوطن، الإستراتيجية الكبرى التي تم وضعها للنهوض بالسياحة في الجزائر والتي تتمثل في تحسين الخدمة العمومية وترقية مستوى التأطير وظروف استقبال السياح بتوفير خدمة جيدة وبأسعار منافسة.
ومن بين الإجراءات الإيجابية التي اتخذها القائمون على هذا القطاع المعوّل عليه لإخراج اقتصاد الجزائر من التبعية للمحروقات، إعادة تنظيم الوكالات السياحية من خلال تسهيل الإجراءات لاستقطاب السياح وتقديم الصورة الأمثل عن الجزائر.
كما تم أيضا التوقيع على اتفاقية إطار بين الاتحاد العام للعمال الجزائريين ومجموعة “أش تي تي” لتمكين العمال من قضاء العطل والاستفادة من أسعار استثنائية من خلال تخفيضات تصل إلى 30 و40 ٪.
كما يظهر عزم الدولة من خلال تصريحات المسؤولين في قطاع السياحة عن إتمام كل المشاريع الاستثمارية التابعة للقطاع وإعادة الاعتبار للمؤسسات الفندقية العمومية وعصرنتها تماشيا مع طلبات الزبائن.
وفيما يخص المنشآت التي يرتقب أن يتدعم بها القطاع على المستوى القريب، تسليم ما بين 60 و70 فندقا جديدا بسعة تقدر بأكثر من 7.000 سرير، كما أن عملية تهيئة الفنادق متواصلة بالرغم من التفاوت في نسبة الإنجاز، في حين تم إنشاء لجنة وطنية لمتابعة إنجاز المشاريع الفندقية.
كما تم منح عقود امتياز لعدة فنادق لاستغلال بعض الشواطئ، مع التشديد على ضرورة تطبيق قانون مجانية الشواطئ.
التجارة..تشجيع للمنتوج المحلي والمحافظة على العملة الصعبة في البلد
وفي قطاع التجارة، اتخذت الحكومة عدة قرارات من أجل المساهمة في تحسين الاقتصاد الجزائري، ومن أبرز قرارات هذا القطاع قرار يقضي بتوسيع قائمة المواد الممنوعة من الاستيراد لتشمل أكثر من ألف سلعة تمس السيارات والفواكه الجافة والأجبان والفواكه الطازجة واللحوم وأجهزة إلكترونية وهواتف نقالة وغيرها، بهدف الحفاظ على احتياطي البلد من العملة الصعبة.
كما تعتزم الحكومة الاتجاه إلى إدراج كل السلع الممنوعة ضمن ما يسمى “الحق الوقائي الإضافي” وهو إجراء يهدف لكبح الاستيراد بطريقة غير مباشرة عبر فرض رسوم تتراوح ما بين 30 و200 بالمائة بهدف حماية وتشجيع الإنتاج الوطني وذلك تنفيذا للوعود التي أعطتها الجزائر للمفوضية الأوروبية.
الفلاحة .. منتجات جزائرية تحجز مكانها في الأسواق العالمية
باتت المنتجات الفلاحية الجزائرية تحظى بـ “قبول” على مستوى عديد الدول بالنظر لجودتها ومراعاتها لكل شروط السلامة، كما احتلت مكانة لها في السوق العالمية بعدما كانت الجزائر قبل بضع سنوات فقط تستورد هذه المنتجات من الخارج.
وفي وقت يراد لقطاع الفلاحة أن يكون قطاعا إستراتيجيا يكمّل الاقتصاد الوطني ويسهم في خروجه من التبعية للمحروقات، تعمل جهات على محاولة تهديم انطلاقته من خلال نشر الاشاعات حول رداءة المنتوجات الفلاحية الجزائرية التي دخلت عالم التصدير أخيرا.
ويواجه قطاع الفلاحة حملات شرسة من بعض الجهات بعد مراهنة الدولة الجزائرية عليه لمرحلة ما بعد المحروقات لتطوير عائداتها من العملة الصعبة.
وفي الآونة الأخيرة، تحدث الكثير من المسؤولين وحتى المصدّرين بأن المنتجات الفلاحية الجزائرية باتت مطلبا أساسيا لكثير من الدول والبلدان الآسيوية والأمريكية، وآخر التصريحات كان لوزير الفلاحة والتنمية والصيد البحري، عبد القادر بوعزغي الذي اعتبر أن المكانة التي بلغتها المنتجات الفلاحية في الاسواق العالمية أصبحت “تزعج”.
وكان رد الوزير قد جاء في ظل الحديث عن “إرجاع منتجات جزائرية (بطاطا وتمور) تم تصديرها إلى روسيا وكندا و”الأسباب -مثلما قيل- متعلقة بعدم توفر معايير الصحة النباتية”، في حين فندت وزارة الفلاحة أن يكون سبب الارجاع متعلقا بالصحة النباتية، مؤكدة أن الأمر يتعلق بحالة معزولة سجلت في 2017، حيث لم يحترم أحد المصدرين شروط التبريد مما إدى إلى إرجاع 18 طنا من التمور.