رمضان موسم عظيم للمحاسبة، وميدان فسيح للمنافسة، تصفو فيه النُّفوس من دواخلها، وتقتربُ فيه القلوب من خالقها، تُفتح فيه أبوابُ الجنة، وتغلق أبواب النار، وتُصَفَّد الشياطين، وتكثر دواعي الخير وأسبابُ المثوبة، فيأيها المتقون الصائمون، فَتِّشوا عن المحتاجين من أقربائكم، والمساكين من جيرانكم، والغرباء من إخوانكم، أشركوهم معكم في رزق ربِّكم، ولا تنسوا برَّهم وإسعادهم؛ يقول الشافعي رحمه الله: أحب للصائم الزيادة في الجودِ في شهر رمضان؛ اقتداء برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم، ولتشاغُل كثير منهم فيه بالعبادة عن مكاسبهم. فقد اعتاد بعضنا في رمضان على أداء عبادات مُعيَّنة، كالصيام والقيام وقراءة القرآن، وهناك عبادات أخرى الأجر؛ إمَّا لمكانتها، وإمَّا لهجر الناس لها، وإتيان تلك الطاعات في مثل هذه الأيام إحياءٌ لها، وتذكير للناس بتنوُّع العبادات وتعدُّدها لمن أراد الزُّلْفى من الله سبحانه ومن تلك العبادات: كإطعام الطعام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتعليم الناس الخير.
إذا كان الأمر كذلك، فلماذا نخسر رمضان؟! لماذا يَمُرُّ علينا، ولا نتزود منه بالتقوى؟! لماذا يدخل ويخرج ولا نقاوم فيه الهوى؟! ألم نعلم مزاياه وندرك فضائله؟! ألم نعلم أنَّه شهر التوبة والمغفرة ومحو السيِّئات؟! ألم ندرك أنَّه شهر العتق من النار وموسم الخيرات؟! ألم نعلم أنَّ أوله شهر رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار؟! ألم نعلم أن فيه ليلة خير من ألف شهر، مَنْ حُرِمَ خيرها فقد حُرِمَ؟! فما بالنا ترغم منا الأنوف، ونخسر ولا نستفيد؟! ما بالنا نُصِرُّ على الإضاعة والتقصير والتفريط؟! يقول الحسن البصري رحمه الله: “إنَّ الله جعل شهر رمضان مضمارًا لخلقه، يَسْتَبِقُون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا، وتخلَّف آخرون فخابوا، فالعَجَبُ من الضاحك اللاَّعب في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون، ويخسر فيه المبطلون”.