فرصة لترسيخ تقاليد التضامن والكرم

رمضان في بشار.. عادات تعكس فرحة سكان المنطقة بالضّيف العزيز

رمضان في بشار.. عادات تعكس فرحة سكان المنطقة بالضّيف العزيز

يعد شهر رمضان المعظم بولاية بشار فرصة لسكانه لترسيخ وديمومة تقاليد الأجداد في التضامن والكرم. وتحافظ عائلات هذه المنطقة من الجنوب الغربي للوطن على العادات القديمة والأعراف من بينها إحياء ليلة منتصف شهر رمضان المعروفة باسم “الفضيلة” التي من خلالها تحرص العائلات المتشبثة بعاداتها من جيل إلى جيل على أن تكون هذه الليلة على غرار ليلة القدر المباركة مختلفة عن الأيام الأخرى من الشهر الفضيل.

ومن مظاهر الاحتفال باليوم الخامس عشر (15) من الشهر المبارك إحياء عادة “الوزيعة”، حيث يتم نحر ذبيحة وتقاسم لحومها بالتساوي بين عديد العائلات ممن شاركت في شرائها من أجل إحياء ليلة منتصف رمضان، وكذا من أجل إبراز واحدة من عادات التضامن فيما بينهم ونحو العائلات المحتاجة الأخرى التي تتسلم حصة كبيرة من اللحوم.

وبالرغم من أن هذه العادة أصبحت نادرة ببعض المناطق الحضرية بالولاية نتيجة تحسن الدخل المالي للأسر، إلا أنها تبقى إلى اليوم متجذرة في أوساط سكان القصور والمناطق الريفية وذلك لعديد العوامل الاجتماعية والثقافية، وفقا لما أوضحه مختصون محليون في علم النفس .

 

مشاركة الأطباق لتعزيز روابط الجوار

كما تواصل العائلات تقاسم ومشاركة الأطباق والأكلات فيما بينها كوسيلة لتعزيز روابط الجوار خلال هذا الشهر المبارك الذي يتميز كذلك بعديد عمليات التضامن من طرف الجمعيات والأفراد الذين لا يتوانون في تقديم وجبات ساخنة للمحتاجين والمسافرين العابرين للمنطقة، وذلك عن طريق شبكة تضم حوالي 20 مطعم “عابر سبيل”.

ويتم يوميا تقديم أزيد من 1.400 وجبة خلال وقت الإفطار عن طريق هذه المطاعم الممول عدد كبير منها من طرف محسنين كرمز للتضامن مع الفئات المحتاجة، وذلك وفقا لتعاليم الإسلام، كما يؤكد شباب مكلفون بمتابعة الخدمات على مستوى هذه الفضاءات التضامنية الموزعة عبر الجهات الأربع لمدينة بشار.

وعلى غرار مختلف مناطق الوطن، تشهد المساجد بهذه المدينة إقبالا قياسيا للمصلين خلال هذا الشهر الفضيل، خاصة وأنهم حرموا منها السنة الماضية، حيث وإلى جانب أداء الصلوات الخمس، تجدهم حريصين على إقامة صلاة التراويح يوميا.

تطور حضري وإرث تقليدي

لم يؤثر التطور الحضري والتمدن اللذين عرفتهما منطقة بشار على عادات وتقاليد المنطقة في مجال الطبخ خلال شهر رمضان المبارك الذي يعد أيضا فرصة لإحياء عديد الأطباق والأكلات التقليدية على غرار الحريرة (حساء القمح أو الشعير المسحوق) وطاجين الملوخية وكذا أكلات ذات مذاق سكري باللحوم الحمراء أو البيضاء، بالإضافة إلى أنواع متعددة من الحلويات المقدمة مع الشاي والنعناع.

كما أن شهر رمضان هو الشهر الذي تنتعش فيه كذلك أسواق الفواكه والخضر بالمدينة طوال النهار ويميزه أيضا الإقبال الكبير على المقاهي بعد الانتهاء من أداء صلاة التراويح لتناول مختلف المشروبات ومتابعة الأخبار والتطرق إلى انشغالاتهم اليومية قبل الذهاب بعدها لتناول السفة (كسكس رفيع مزين) مع الشاي أو القهوة أو الحليب مثلما جرت عليه العادة بالمنطقة.

ودائما بعد أداء صلاة التراويح، تتوجه العائلات خلال سهرات الأسبوع الأخير من شهر رمضان المعظم إلى مختلف أسواق الملابس من أجل اقتناء ملابس جديدة لأطفالها، حيث تسوق بتخفيضات مغرية عبر المراكز التجارية المتخصصة. وفي هذا السياق أكدت بعض النسوة أن من عادات رمضان بولاية بشار إدخال عادات جديدة سواء من حيث الطبخ أو الديكور المنزلي والسهرات مع العائلة والأحباب، حيث تقول السيدة “فتيحة” إن زوجها قام مع زميله بشراء خروف وذبحه استعدادا للصيام حتى لا يكون مجبرا على الذهاب يوميا الى الجزار لشراء اللحم الذي يرتفع ثمنه في الشهر الكريم.

أما السيدة “حيزية” فقالت إن العائلات البشارية أصبحت تقبل على شراء الجدي أو الخروف أو ما يعرف بالتويزة لتفادي الوقوع فريسة سهلة لبائعي اللحوم، كما أدخلت عادات جديدة في الطبخ البشاري على غرار بعض الأكلات التي تشتهر بها ولايات الشرق الجزائري والتي تعد دخيلة على مائدة الجنوب الغربي خاصة بلدية بشار، لتضيف الأستاذة “نصيرة” أن أفراد عائلتها يستعدون للشهر الكريم بتنظيف المنزل وتغيير ديكوره إضافة إلى تحضير “الحريرة” و”المرمز” المصنوع من حبات القمح.

ولا تختلف يوميات شهر رمضان الكريم في ولاية بشار كثيرا عن مثيلاتها في باقي ولايات الوطن، مع بقاء اللمسة المحلية المعروفة في بعض الطقوس والعادات المحلية التي توارثتها الأجيال أو فرضها الواقع الاجتماعي الموجود، ما يضفي على حياة الناس نوعا من الخصوصية.

ل. ب