__من ربوع بلادي__ عبادة، تسوق ونفحات من عراقة التقاليد

رمضان البليدة.. عادات تعكس الموروث الحضاري للمنطقة

رمضان البليدة.. عادات تعكس الموروث الحضاري للمنطقة

تعيش البليدة هذه الأيام كغيرها من ولايات الوطن أجواء خاصة، بمناسبة شهر رمضان، تعكس موروث هذه المدينة العتيقة وتبرز مدى حفاظ أهلها على عاداتهم الخاصة بهذا الشهر الفضيل.

يقوم البليديون وبشكل عفوي بالتحضير للشهر الفضيل، ولعل من أبرز الطقوس التي يتخذها السكان مع بداية رمضان، انتقاء أجود التوابل من أهم التحضيرات، فتبدأ أولى أيام رمضان بالبحث عن أجود وأجمل التوابل المستعملة في طهي الأطباق الرمضانية وخاصة ما تعلق منها بطبق وسيد المائدة الرمضانية الشوربة أو الحريرة، حيث تسارع ربات البيوت أياما قليلة قبل حلول الشهر إلى اختيار واقتناء التوابل مثل الفلفل الأسود والكروية والكمون والزعيترة والزعتر اليابس والحبة السوداء ورأس الحانوت وتوابل أخرى التي تعد العنصر الأساسي في إعداد الأطباق الرمضانية التي تحمل نكهات وأذواقا مميزة.

“الموعد اليومي” تجولت عبر عدد من أسواق الولاية ورصدت آراء بعض السيدات حول انتقاء واقتناء التوابل بكثرة وقبل حلول رمضان بأيام قليلة، واللائي كان جوابهن بأن بحثهن عن أجود التوابل في هذه الفترة بالذات له طعم خاص يكون ممزوجا بفرحة استقبال هذا الضيف العزيز، وأشارت بعض السيدات إلى أن أغلبهن يشترين التوابل غير المطحونة كونها تحمل الرائحة الأصلية للمادة، أما تلك المطحونة فإنها تفقد رائحتها بعد تعرضها للهواء وبالتالي لا تعطي النكهة والطعم المرغوب فيه.

 

قِدر الفخار وملاعق الخشب صورة أخرى من صور الشهر الكريم

لا يحلو لعدد كبير من العائلات البليدية تناول طبق الشوربة أو الحريرة إلا إذا كانت مطبوخة داخل القدر المصنوع من الفخار، والذي تتبعه عملية تحريكها بملعقة من خشب، فضولنا الدائم جعلنا نستفسر عن سبب هذا التميز والاختيار لهذه الأواني بالذات لطهي الشوربة وبعض الأطباق الأخرى كطبق طاجين لحلو وطاجين الزيتون الذي لايفارق المائدة البليدية طيلة شهر رمضان، قيل لنا حسب إحدى السيدات البليديات، إن طهي الشوربة في قدر الفخار له طعم آخر حلو، ويعطي لهذا الطبق حلاوة وطعما رائعين، ونفس الشيء بالنسبة لباقي الأطباق المذكورة.

وأشارت إلى أن تحريك هذه الأطباق بملاعق من خشب له طعم آخر ويحافظ على المذاق الأصلي للأطباق الرمضانية، مع العلم أن بعض العائلات البليدية تحبذ تناول السلطة وطبق الشوربة في صحون من الفخار وسلل مخصصة للخبز مصنوعة من الحلفاء.

 

صناعة “المقطفة” وتصبير الطماطم.. عادة لا يمكن نسيانها

تسارع النساء البليديات كغيرها من نساء الجزائر إلى تحضير الشوربة وصناعتها بطريقة تقليدية، والتي تستعمل فيها الدقيق والماء والملح لصناعة العجينة ثم تقمن بتعريضها لأشعة الشمس بعد أن تقمن بتقطيعها قطعا صغيرة ثم تقمن بتخزينها لاستعمالها في شهر رمضان المعظم، ونفس الشيء بالنسبة للرشتة والكسكسي اللذين يحضران أياما قبل حلول الشهر واللذان يقدمان خلال السحور، كما تسارع العائلات البليدية إلى تصبير الطماطم بطريقة تقليدية بتقطيع أعداد كبيرة منها ووضع الملح فوق الشرائح المقطعة ثم يتم تعريضها لأشعة الشمس وتطحن بعدها لتصبح عبارة عن معجون طماطم ويتم تخزينها في الثلاجة وتستعمل في طهي الأطباق المختلفة، وهي عادة لا يمكن للنساء البليديات الاستغناء عنها أو نسيانها، كما أن هذه العادة تعطي أطباق رمضان نكهات مميزة.

 

طلاء المنازل وشراء أواني جديدة صفة للتبرك برمضان

تقوم العائلات البليدية استقبالا لشهر رمضان بطلاء غرف مساكنها وتجديد الأثاث بالنسبة للعائلات الغنية منها والميسورة الحال، وكذا شراء أواني جديدة لطهي أطباق رمضان، وتجد هذه العائلات في هذه العادة صفة للتبرك بالشهر وجلب الخير والهناء والصحة للمنزل، وكذا حسب بعض العائلات، صفة للهروب من الروتين بالنسبة للأواني القديمة المستعملة وصورة لاستقبال الضيف بأبهى وأنقى الأواني.

 

تنظيف المنازل وغسل الأفرشة لابد منه

من العادات التي لا يمكن للأسر البليدية نسيانها، وهي من العادات المتجذرة فيها خاصة بالنسبة لسكان الأحياء العتيقة مثل حي الدويرات بقلب مدينة البليدة وحي باب خويخة وباب الزاوية وحي باب الجزائر وسكان حمام ملوان والشريعة وغيرها هي عادة تنظيف المنزل بغسل الجدران وتنظيفها من الغبار إن وجد، وكذا غسل الأفرشة والأغطية تبركا واستعدادا لاستقبال الضيف العزيز وتبديل الأفرشة التي تزين بها المقاعد والموائد والأرائك وتغيير ما يمكن تغييره، المهم لدى العائلات البليدية هو استقبال شهر رمضان بأثاث وأوان جديدة وبغرف نظيفة وصالون نظيف وبديكور مختلف عن رمضان السنة الماضية.

 

تصويم الطفل الصغير والاحتفال به فرحة أخرى بالشهر

تقوم الكثير من العائلات البليدية تعبيرا عن فرحها بحلول شهر رمضان، بحث أطفالها على الصيام ولو لنصف يوم في محاولة لتعويدهم على أداء هذه الفريضة، وتقوم خلالها هذه العائلات بإلباس أطفالها الذين صاموا لأول مرة ألبسة جديدة ومنهم من تلبسهم ألبسة تقليدية والاحتفال بهم بذّر حبات الحلوى فوق رؤوسهم وإعطائهم الشاربات المصنوعة من الماء والسكر وماء الزهر، شريطة أن يكون داخل الكأس خاتم من الفضة، وهي عادة ما تزال متجذرة في أوساط سكان البليدة وكذا تناول قلب اللوز والزلابية و القطايف ومنح الطفل نقودا بهدف تشجيعه على الصيام.

 

زلابية بوفاريك والشاربات سيدا المائدة البليدية

في هذا الشهر المبارك تزين المائدة بألذ الحلويات وأشهرها الزلابية، وهي حلوى تقليدية مشهورة خاصة في شهر رمضان، دخلت لأول مرة الجزائر عند عائلة أكسيل في منطقة بوفاريك، وهي إحدى دوائر مدينة البليدة يقصدها الناس من كل صوب من أجل شرائها. ولازالت تقدم مثل هذه الحلويات في مواسم الأعياد وفي شهر رمضان خاصة.

فلا يمكن للعائلات البليدية مهما اختلف مستواها المعيشي، الاستغناء عن الحلويات الشرقية على مائدتها الرمضانية خاصة ما تعلق منها بحلوى الزلابية والتي لا يمكن لهذه الأخيرة الغياب عن المائدة طيلة الشهر الفضيل، ويفضل أغلب سكان مدينة الورود تناول زلابية بوفاريك المعروفة وطنيا وحتى دوليا، حيث نجد كافة العائلات تسارع إلى جلب الزلابية من مدينة البرتقال للاستمتاع بطعمها الرائع والتي يتفنن في صنعها بائعوها، ونشير إلى أن هناك عائلات بالمدينة معروفة بصناعتها لهذه الحلوى منذ سنوات طوال مثل عائلة شنون وعائلة أكسيل التي تقصدها خلال شهر رمضان أعداد كبيرة من الأسر قادمة من الولايات المجاورة ومن مختلف ولايات الوطن رغبة في الظفر بهذه الحلوى الرائعة التي تصنع بوصفات سحرية يمتنع أصحابها الكشف عنها، معتبرين الأمر سر المهنة، لكن في الأغلب والمعروف أنها تصنع بالماء والخميرة والسميد والملح ومواد أخرى تضاف لها، وبعد قليها تغطس في العسل لتحليتها، وهو ما يمنحها طعما حلوا رائعا ونفس الشيء بالنسبة لقلب اللوز والقطايف اللذين لا يمكن أن يغيبا عن مائدة البليديين، أما مشروب الشاربات فتلك حكاية أخرى حيث من المستحيل أن تجد العائلة البليدية لا تضع هذا المشروب فوق مائدتها في الفطور والسحور، ولهذا المشروب طعم مميز وطبيعي، حيث يصنع هذا المشروب الحلو من الماء وماء الزهر والحليب وحبات الليمون وعصيرها، ولكل بائع سره الخاص في صناعته.

 

“الشعبانية”.. عادة متجذرة وسط العائلات بالبليدة

تصاحب الأيام القليلة التي تسبق حلول شهر رمضان الكريم، العديد من الممارسات المرتبطة بروحانية المناسبة وقيمتها، وكذلك عادات وتقاليد شعبية لها تتجلى في مختلف مظاهر الحياة الاجتماعية مثلما هو الحال بالنسبة لعادة “الشعبانية” التي تميز طريقة استقبال شهر الصيام لدى العائلات بمنطقة البليدة..

 

“الشعبانية” عادة تقاوم متغيرات الحياة اليومية

تتشبث الكثير من العائلات بالبليدة بهذه العادة الجميلة المرتبطة بأصالة ماضي جميل تحن إليه القلوب. وجدت عائلات أخرى نفسها مرغمة على تجاوز “الشعبانية” التي يرى فيها البعض تقليدا غير ضروري ومدعاة لمصاريف إضافية تثقل كاهل العائلة التي تجد نفسها مضطرة إلى تكييف ميزانيتها مع هذا الحدث لاسيما منها العائلات التي تكون لها أكثر من بنت متزوجة.

كما أن هناك وجهة نظر أخرى تقول إن “الشعبانية” كانت في الماضي فرصة للسيدات لزيارة ذويهن لأنهن لم يكن يتمكن من ذلك في غالب الأحيان لقلة وسائل النقل في حينها، فيما تتوفر اليوم هذه الوسائل التي تسمح للسيدة بزيارة أهلها في كل وقت وحين، بالإضافة الى وجود وسائل الاتصال على غرار الهاتف النقال لمعرفة أدق التفاصيل عن أخبار العائلة، مما يلغي حميمية اللقاء مع الأخوات والأم وباقي أفراد العائلة في نفس الوقت.

وبالمقابل، هناك من يتمسك بهذه العادة لما ترمز إليه من أصالة لا يمكن أن تغيب بين عشية وضحاها أو حتى مع مرور الأيام والسنين “وذلك لارتباطها الوثيق بممارسات مجتمع بأكمله يعتز بتقاليده”.

وحتى وإن أُدخلت على “الشعبانية” بعض التغييرات التي تتماشى مع متطلبات هذا الزمن، تبقى المناسبة من أجل الالتقاء والاجتماع في بيت الأسرة بشكل يعزز من روابط المحبة والمودة.

وتبقى عادة “الشعبانية” في كل الأحوال تذكّر بمظاهر تفننت فيها الكثير من العائلات سواء بالبليدة أو بغيرها من المناطق، للإبقاء على صلة الرحم وتنظيم علاقات التلاقي والاجتماع بين أفراد الأسرة حسب كل ظرف.

 

فسحة العرايس” لزيارة العائلة قبل حلول شهر رمضان

ومن بين مظاهر “الشعبانية” في منطقة البليدة عادة “فسحة العرائس” والتي تعني قيام البنات المتزوجات حديثا بزيارة ذويهن وقضاء فترة تتراوح بين 3 إلى 7 أيام في حضن العائلة، وتعني هذه الزيارة أنه لن تستطيع هذه البنت زيارة عائلتها خلال شهر رمضان نظرا للالتزامات العائلية والأشغال المرتبطة بشهر الصيام والتي لن تسمح لها بالقيام بزيارة أهلها.

وتتميز هذه الزيارة التي تقوم بها الفتاة المتزوجة إلى ذويها بكونها عامة لدى كل الأسر حتى وإن راحت “تندثر” في السنوات الأخيرة، لتغير نمط الحياة عند الأسرة البليدية التي كانت تحيي الشعبانية بطقوس خاصة ارتبطت أيما ارتباط بمفهوم العائلة الكبيرة، حيث كانت الأخوات وبنات الأعمام يخططن لهذا الموعد مسبقا من أجل الالتقاء في نفس التوقيت وعدم تفويت فرصة الاجتماع سوية ما يمكنهن من استرجاع ذكريات أيام الطفولة.

 

تخضيب بالحناء وكسوة جديدة وأكلات تقليدية وحمام “الهنا

إنها طقوس الشعبانية بالبليدة والتي لا يمكن الحديث عن”الشعبانية” دون التطرق إليها، وتشمل هذه الطقوس تخضيب أيدي وأرجل الفتاة القادمة إلى بيت ذويها بالحناء وتخصيص سهرات عائلية على وقع أكلات تقليدية على غرار “الرشتة” و”الكسكسي” وصولا إلى قعدة الشاي بـ “المقروط المعسل” تمهيدا لسهرات رمضان.

كما تستفيد الفتاة التي تزور أهلها من “حمام الهنا” كما يتعارف على تسميته باللهجة البليدية، حيث تكون الوجهة إلى الحمامات الشعبية أمرا لا بد منه.

ولا يمكن للفتاة المتزوجة حديثا بالخصوص العودة إلى منزل زوجها دون أن تكون قد توجهت نحو الحمام مع شقيقاتها أو دون كسوة جديدة تحرص الأم على أن تحضرها لها لتعود إلى عش الزوجية في أبهى حلة.

كما تكون الشعبانية مناسبة أخرى لوالدة العروس يتوجب عليها فيها أن تحضر لابنتها ما أمكنها من أجود أنواع الحلوى وأشهاها تأخذها إلى عائلة الزوج، ويمكن أن تشمل هذه الحلويات أصنافا تقليدية على غرار “السفنج” و”المعارك”.

 

الوريدة قصة أمومة لعمالقة الفن

عند الحديث عن مدينة سيدي الكبير، تتبادر إلى أذهاننا أسماء بعض العمالقة في الطرب والفن التي برزت على الساحة الوطنية والعربية، فنجد على سبيل المثال لا الحصر المطرب الكبير رابح درياسة وأغانيه العذبة، ودحمان بن عاشور رائد الفن الأندلسي والحاج المحفوظ في الغناء الحوزي والمطربة سلوى وقسوم ومحمد وجدي وغيرهم، وبميدان التمثيل كلنا نتذكر عميد المسرح البليدي محمد التوري والممثلة الراحلة القديرة فريدة صابونجي، وفي ميدان الفن التشكيلي لا ننسى الرسامة الكبيرة باية محيي الدين ولوحاتها المميزة، كما تزخر البليدة بالطاقات الإبداعية المختلفة في شتى مجالات الفنون، فهي مركز إشعاع ثقافي ورائدة في ترقية وتثمين الثقافة ذات الطبوع العربية والإسلامية.

وتتواجد بالساحة الثقافية عدة جمعيات محلية ذات خبرات في مختلف الفنون والمهن والحرف التقليدية، بها نوادي فنية وورشات للفنون التشكيلية والرسم والزخرفة الإسلامية وجمعيات للطرب الأندلسي.

 

البليدة وسر الأبواب السبع

 

ولمدينة البليدة تاريخ عريق في الذاكرة الوطنية، ويعود تحديدا إلى سنة 1535 تاريخ تأسيس هذه المدينة من طرف الرجل الصالح والمهندس “سيد أحمد الكبير الأندلسي” الذي أتى من الأندلس سنة 1519 يحمل لمسات أهل الأندلس الفنية في البناء والعمران، فلما وجد الطبيعة الخلابة والإمكانيات التي تزخر بها، راعه حال العمران الموجود حينها، فأعطاها صبغة أندلسية في بناء البيوت والحمامات والمحلات والقصور، فتحولت لجنّة غناء لا تضاهيها جمالا إلا قصور غرناطة واشبيلية في أندلسنا المفقود.

أما عن سر تسميتها البليدة الوريدة، فيعود الفضل في ذلك إلى “سيدي أحمد بن يوسف” الذي جاء لزيارة سيدي الكبير وأعجب بروعة طبيعة المدينة، وذهل لما رأى في هذه المدينة من اخضرار يسحر القلوب ويبهج النظر، وكذا جداول المياه والأزهار والورود المنتشرة في كل مكان، مختلفة الأشكال والألوان تملأ رحب المدينة.

فاقترح عليه التسمية الجديدة للمدينة، فبدل أن تُعرف بالبليدة، أي البلدة الصغيرة، سماها بـ “الوريدة” ومعناه الوردة الصغيرة.

فحملت البليدة هذا الإسم من ذلك الوقت وذاع صيته وتوارثته الأجيال حتى أثناء فترة الاحتلال وزحف عسكر الفرنسيين على هذه المدينة، الذي جوبه بمقاومة كانت باسلة، لكن تمكن الفرنسيون من اقتحام أبواب البليدة السبع.

هذه الأبواب التي تروي بقاياها قصة فريدة لمن يبحث في التاريخ كما يفعل محدثنا السيد “يوسف وراغي” والتي لم يبق منها حاليا إلا الاسم.

فنجد أول هذه الأبواب وأكثرها شهرة هو باب الجزائر أو باب الدزاير وموقعه في الطريق المؤدية للجزائر، وكان من الأبواب الأربعة الرئيسية للمدينة سابقا وكان يفتح مع الفجر ويغلق استثناءا مع آذان العشاء.

الباب الثاني هو باب الرحبة وسمي كذلك نسبة لساحة السوق الرحبة، كما كان موقعه قريبا من الجبل حتى يتمكن ساكنو المناطق المحاذية للمدينة من اللقاء والتجارة وتبادل السلع، فقد كان، حسب يوسف رواغي، ملتقى للجبايلية ليقدم كل محصوله الزراعي ويباع في باب الرحبة الذي ما زال سوقا ذائع الصيت ليومنا هذا في البليدة والمتيجة ككل.

باب السبت كان بدوره سوقا قبل أن ينقل لسوق الشفة عام 1855 وحوش السمارة وكان من سبت إلى سبت وكان يضم متسوقين من كل الجهات.

ونجد أيضا باب الزاوية وعرف كذلك نسبة لزاوية لسيدي محجر، ولم يكن هذا بابا رئيسيا وكان يغلق مع المغرب.

أما الباب الخامس هو باب الخويخة، ويعتقد الكثير أن هذا الباب سمي كذلك نسبة للخوخ، لكن هذا معتقد خطأ، لأن المنطقة لا تعرف بالخوخ وإنما بالحمضيات. لكن أصل هذه التسمية تركي ذلك أن كلمة الخويخة تعني الباب الصغيرة، وفعلا كانت هذه الباب تشبه الفتحة وليست بابا لمدينة كما هو متداول عليه.

وكذا الأمر بالنسبة لباب القصبة فهو بدوره فتحة تؤدي لتراب سيدي يعقوب ومنها إلى الجبل وهو باب من قصب.

وباب القبور سمي كذلك نسبة لمقبرة المسيحيين التي كانت موجودة بمحاذاته، لكن بعد الاحتلال وتحديدا سنة 1869 هدمت أجزاء من هذه الأبواب وغيرت السلطات الاستعمارية منها الكثير وعلّت بعض الأسوار بأربعة أمتار ولم يبق من الأبواب إلا أربعة أبواب لم تلبث بدورها أن زالت مع مرور السنوات.

 

بنت البليدة بين الحداثة والأصالة 

المرأة البليدية مع كل ما حققته من تقدم هائل في كافة الأصعدة، إلا أنها لم تفتقد إلى ذلك الحس الفني الذي يشحذ الهمة، فتسلقت سلالم الإبداع والأناقة بتلك الأنامل الناعمة التي صنعت من الخيط أبهى فرشة لكل امرأة تعشق فنون التطريز والخياطة مثل الشبيكة، غرزة الحساب، غرزة الياسمينة، غرزة القفي، الفتلة، المجبود، الكروشي … لتتجسد لدى الناظر لوحة فنية غاية في الروعة وإن كانت تدل على شيء إنما تدل على أصالة هذا الموروث وحب الفن والموهبة بحد ذاتها.

 

أفراح الوريدة لوحة تعبر في عمقها عن الذوق الراقي

اشتهرت المرأة البليدية بمحافظتها على الزي والأصالة الجزائرية، فرغم رواج الملابس العصرية إلا أن محلات المدينة لا تخلو من الملابس التقليدية، فنجد شارع العرائس الموجود منذ القدم بباب الجزائر غنيا بمثل هذه الأعمال كالبرنوس الذي كان وما زال عادة ضرورية لإخراج العروس من بيت أهلها.

وفي هذا اليوم تقوم العروس كما يقال بالعامية (التصديرة) والتي تقام عادة بقاعة الحفلات أين تفتتحها وهي ترتدي (الكاراكو)وهو لباس مطرز بالخيط المذهب بتقنية (الفتلة أو المجبود) ومتزينة بحلي يسمى (خيط الروح) ومحرمة (الفتول) وعليها (حايك المرمى) وهذا الأخير لباس ترتديه المرأة عادة لتتستر به عند خروجها من البيت، وما زالت لحد الساعة هذه الصورة الجميلة يصادفها أبناء الوريدة في حياتهم اليومية .

ولا تقتصر العروس على شراء الملابس التقليدية، فهي تقصد بكثرة بائعي الحلي والذهب، ومن أهم ما تقتنيه نجد كرافاش بولحية، خيط الروح، خلخال، سباعيات، مقياسات… الحناء كانت ولا زالت زينة المرأة وميزة أفراح مدينة الورود، عادات البليديين راسخة في أفراحهم ومناسباتهم لتشمل المأكولات الشعبية، الحلويات التقليدية، الحناء… فالحناء زينة العروس وفأل الخير عليها توضع على يديها وهي جالسة على وسادة مطرزة، وأفرشة خاصة بهذه القعدة في الوسط وباتجاه القبلة.

تحضر الحناء مع أشياء أخرى مثل ماء الزهر الذي هو رمز المودة واللطف، البيض رمز الخصوبة والغنى، القطعة النقدية الذهبية رمز الثراء. بعد وضع الحناء تدخل يد العروس في قفاز مطرز بالخيط المذهب وهي تسمع أعذب الأصوات بمزيج من الزغاريد وكلمات ذات معاني جميلة وقيمة.

والحناء حاضرة في معظم المناسبات مصاحبة لعادات أخرى مثل المولد النبوي الشريف، يميز هذا اليوم مظهر الحناء على أيدي الأطفال وهم يداعبون الشموع، دون أن ننسى طبق الرشتة بالخضر والدجاج الذي يقدم كطبق خاص، يميز أمسية هذا الاحتفال، أما في اليوم الموالي تقدم الطمينة والبغرير.

يوما عاشوراء تقص المرأة لبناتها خصلة من الشعر وتزينهن بالكحل والحناء، وتقدم لهن ولكل أفراد العائلة الطبق المشهور عند أبناء المدينة البركوكس.

والمرأة البليدية ماهرة كذلك في صنع مختلف أصناف الحلويات، فنجدها في حركية كبيرة مع اقتراب أي مناسبة دينية كعيد الفطر والأضحى.

فهي لا تستغني في المناسبات الدينية والعائلية عن تحضير ما جادت عليها قريحتها من حلويات وأطباق مختلفة سواء كانت تقليدية أو عصرية.

فتحرص الأسر البليدية على تحضير بعض الحلويات المشهورة (كالبقلاوة، الصامصة والخشخاش، والقريوش، التشاراك، مقروط اللوز..)، وهي حلويات مشهورة تعكف العائلات على تحضيرها كل يوم ذي شأن لإضفاء نكهة خاصة على سهرات الشاي، دون أن تنسى تزيين قعدة المائدة بالفواكه الموسمية كالعنب والخوخ والتفاح الذي تشتهر به عاصمة المتيجة.

ل. ب