تعرف تحضيرات شهر رمضان نمطا هادئا مقارنة مع السنوات السابقة، يرجعه البعض للأحداث التي تعرفها البلد وأثرها المباشر على الحياة للمواطن البسيط الذي أصبح متعلقا بالراهن السياسي للبلد، ومع ذلك فما زالت بعض روائح رمضان الكريم تظهر من خلال بعض التحضيرات التي لم يستغن عنها الجزائريون.
مع اقتراب شهر رمضان المعظم، تتكثف استعدادات الجزائريين لهذا الشهر الكريم وتبرز العديد من مظاهر التحضير من خلال الإقبال على سلع معينة في الأسواق وغسل جدران البيوت واقتناء أواني جديدة وتغيير نشاطات العديد من المحلات ومظاهر أخرى نرصدها في هذه المتابعة. وحينما ينتصف شهر شعبان، تبدأ السيدات بالإقبال على الأسواق لاقتناء مواد غذائية تُستعمل بكثرة في شهر رمضان أكثر من باقي شهور السنة، وفي مقدِّمتها التوابل والبهارات والفلفل، وهي مواد أساسية في تحضير طبق “الشُّوربة” الذي يعدُّ الطبق الرئيس في الموائد الجزائرية، وهو أول طبق يُستهلك بعد آذان الإفطار وأداء الصلاة، ويندر أن تخلو منه أية مائدة.
وتتكون “الشوربة” من “الفْريك” وهو قمحٌ شبه مطحون، يُضاف إليه القليلُ من الخضر ولحم الخروف وبعض التوابل الحارة، وبعد تحضيره يُضاف إليه على المائدة عشبة “القصبر” وتُسمى محلِّيا “حشيش الشوربة” لإعطائها نكهة خاصة. أما “الحريرة” فهي تتكوَّن من الخضر المطحونة، والتوابل الحارة، وهي ذات مذاق مميز، وقد بدأت “تغزو” مختلف مناطق البلد في السنوات الأخيرة ولم تعد مقتصرة على الغرب الجزائري لتنافس “الشوربة” على موائد كثيرة. وعادة ما يقبل الجزائريون على اقتناء التوابل والبهارات و”الفريك” قبل أيام عديدة من حلول شهر رمضان لتجنب التهاب أسعاره؛ وبخاصة في الأيام الأولى منه، إذ ترتفع الأسعار كل عام بسبب كثرة الطلب مما يضر ميزانيات الأسر محدودة الدخل ويوقعها في الديون أحياناً لا سيما وأن نهاية رمضان تشهد بدورها تحضير أطباق متنوعة من الحلويات واقتناء الملابس للأطفال تحضيرا لعيد الفطر.

مواد ثابتة لأطباق خالدة
تقبل السيدات على اقتناء التوابل و”الفريك” وكذا الزبيب والبرقوق المجفف الذي يسمى محليا “العينة” وتعدُّ مادة أساسية في تحضير طبق آخر تحضِّره العائلات الجزائرية بكثرة في رمضان تحديداً وهو “اللحم الحلو” ويتشكل من البرقوق المجفف وقطع من التفاح وأجزاء من اللحم، ويُطهى هذا الخليط لينتج طبقاً حلو المذاق يُستهلك مباشرة بعد “الشوربة”. وقد أبدت العديد من السيدات تذمُّرهن من ارتفاع أسعار “الفريك” والبرقوق المجفف والزبيب بمجرد اقتراب شهر رمضان، حيث بلغ سعر النوعية الممتازة من “الفريك” 250 دينارا جزائريا (دج) أي ما يعادل 3 دولارات، مقابل 150 دج فقط في رمضان الماضي (ما يعادل دولارين)، وارتفعت أسعار باقي السلع بـ 80 إلى 150 دج، وكذا أسعار اللوز والجوز وباقي المكسرات التي تدخل في تحضير حلويات السهرات العائلية الرمضانية، ما جعل السيدات يُصبن بإحباط وهن يرين أن لجوءهن إلى الاقتناء المبكر لهذه المواد الأساسية لم يعد له معنى من حيث تخفيض التكاليف. وقالت إحدى السيدات بسوق “مارشي 12” بالجزائر العاصمة: “يبدو أننا سنكون مجبرات على اقتناء هذه الموائد أسابيع أو حتى أشهرا قليلة قبل حلول رمضان لتفادي رفع أسعارها، فقد بدأ التجار يرفعونها بمجرد اقتراب الشهر، ومع ذلك نفضل اقتناءها الآن وعدم انتظار حلول رمضان لأن الأسعار ستلتهب أكثر”. بينما أبدى بعض المواطنين تذمرهم من ارتفاع أسعار لحم الغنم والدجاج وهما أساسيان في رمضان، حيث بلغ سعر الكيلوغرام الواحد من لحم الغنم 850 ديناراً مقابل 650 ديناراً فقط في العام الماضي، وبلغ سعر الدجاج 270 ديناراً للكيلوغرام مقابل 160 دج فقط السنة الفارطة، وهي أسعار مرتفعة مقارنة بالأجور المحلية. أما ناصري محمد، تاجر مواد غذائية وتوابل فألقى بالمسؤولية على تجار الجملة الذين فرضوا أسعاراً معينة، فأضروا بالمستهلكين والتجار الصغار معاً، حيث سيكون هؤلاء مجبرين على تخفيض هامش ربحهم لضمان عدم نفور الزبائن. ولعل السلعة الوحيدة التي بقيت أسعارُها ثابتة بل مالت إلى الانخفاض الطفيف هي التوابل المختلفة وبخاصة “الكمون” و”القرفة” و”الفلفل المطحون” حسب ما أكده بائع بسوق “مارشي 12”.
غسل الجدران من مظاهر الترحيب
مع اقتراب شهر رمضان من كل سنة، تقوم السيدات بغسل جدران البيوت بالماء والمنظفات والمطهرات المختلفة، وهناك من يلجأ إلى إعادة طلائها كلية بالدهن، ثم تشرع السيدات في غسل السجاجيد والبطانيات والستائر والأفرشة، ويتجندن أياماً لإنهاء العملية. وبعدها يقبلن على الأسواق لاقتناء مختلف الأواني ويتخلصن من أوانيهن القديمة. وإذا كان تجديد الأواني عادة تقتصر على بعض العائلات فقط دون الأخرى، فإن غسل جدران البيوت ومحتوياتها عادة تكاد تكون ملزمة لكل العائلات، وهي دليلٌ على الترحيب بشهر رمضان كـ “ضيف” عزيز يحل شهرا في السنة ولابدَّ من الترحيب به، ومن غير اللائق اجتماعياً استقباله بشكل عادي كباقي شهور السنة، ولا مناص من ابداء مظاهر تؤكد مدى الترحيب بـ “الضيف الكريم”.
ق.م