مرضُ الإنسانِ مَظهرٌ من مظاهر ضعفِه وفقره وحاجته إلى الله عز وجلَّ، وهو يُصيب المؤمنَ والكافر، والتقيَّ والفاجر، فيكون لأقوام بلاءً يعقبه رضوان، ولآخرين عذابًا مِن بَعده خسران، ولله في كلِّ ما يُصيب عبادَه حِكَم لا يحصيها إلا هو. وما منَّا من أحد إلا ويصيبه المرض تلو الآخر، أو يصيب مَن حوله ممَّن يحبُّ، فلربُّما لازَمَنا المرضُ، ولربَّما عافانا الله عز وجلَّ منه، وفي كل ما يقع بنا مِن أقدار الله تعالى آياتٌ يجب فهمُها وتدبُّرُها والوقوف على حِكَمها، وهكذا المؤمن يُحسن الفهمَ عن الله تبارك وتعالى في كلِّ ما ينزل به؛ إذ لله تعالى مِن وراء أقداره رسائلُ للعباد، رسائلُ يَعرفها أهلُ البصائر مِن ذوي الإيمان؛ فيسعدون بها في الدنيا قبل الآخرة. ورسائلُ اللهِ للمريض وذَوِيهِ كثيرةٌ، لعلَّ عنوانها الأكبر رحمةُ الله بعبده المريض وبمن حوله ممن يهتمُّ لأمْره، بل يكون المرض كذلك رحمة لبعض الكفَّار في الدنيا. وقد تضمَّن المرضُ أنواعًا من رحمة الله عز وجلَّ بعبده المؤمن في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ففي الدنيا: رجوعه إلى الله تعالى. وتعلُّق قلبه به تعالى. وكثرة تضرُّعه له عز وجلَّ. ومعايَنتُه الموت وتذكُّره الآخرة. فالإنسانُ في غمرة الحياة الدنيا ربَّما غفل عن أعظم الحقائق ونسِيَ أولى الواجبات وأهمَّها، فيأتيه المرضُ ليراجع نفسه بما فيه الخير له، بل إنَّ كثيرًا من الناس يكُون مرضُهم أو مرضُ أحدٍ ممَّن حولهم سببًا مباشرًا للتغيير والإصلاح الكلِّي في حياتهم.
والمؤمن لا يرجو شيئا أفضلَ مِن أن تُمحى سيئةٌ له لا يدري ما تفعل به، كما قال أبو هريرة رضي الله عنه: لما نزلت ” مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ ” النساء: 123، بَلغَت مِن المسلمين مبلغًا شديدًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “قارِبوا وسدِّدوا؛ ففي كل ما يُصاب به المسلم كفارة، حتى النكبة يُنكَبها أو الشوكة يُشاكها” أخرجه مسلم. فالمؤمن تحزنه سيِّئتُه، ويخاف منها، بل ويراها جبلًا يوشك أن يقع عليه، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: “مَن سَرَّتْهُ حسنتُه، وساءتْه سيِّئتُه فذلك المؤمن” أخرجه أحمد. كما أن المؤمن يحبُّ أن تُرفع درجاتُه مع أهل الله وخاصَّته، وفي الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما يُصيب المؤمنَ مِن شوكة فما فوقها، إلا رفعَه اللهُ بها درجة، أو حطَّ عنه بها خطيئة” أخرجه مسلم. فالمرض للمؤمن خيرٌ وبُشرى، كما في حديث أمِّ العلاء رضي الله عنها، قالت: عادني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريضة، فقال: “أبشري يا أمَّ العلاء؛ فإنَّ مرض المسلم يُذهب اللهُ به خطاياه، كما تُذهب النارُ خبثَ الذهب والفضَّة” أخرجه أبو داود وصححه الألباني. فبشَّرها صلى الله عليه وسلم بالمرض! كما يبشَّر الإنسانُ بالخير يأتيه، ووصَف معدنَ المسلم بخير المعادن، وهو الذهب أو الفضَّة، ومع ذلك فإنَّ الذهب يحتاج للنار كي تُذهب خبثَه، وتُبقي جودة معدنه، وكذلك المؤمن يحتاج للمرض أو البلاء يصيبه، فيُذهب خطاياه، ويُبقي حاله الطيب مع الله عز وجلَّ. كما أن مرض المؤمن لا يمنعه أَجرَ ما كان يَعمل من الصالحات؛ كما في حديث أبي موسى رضي الله عنه؛ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: “إذا مرِض العبدُ أو سافر كُتِب له ما كان يعملُ مُقيمًا صحيحًا” أخرجه البخاري.
من موقع شبكة الألوكة