إن للعقوق صوره كثيرة، وهو من أخطر ما ابتليت به هذه الأمة، ومن أبرز صور العقوق: عقوق الوالدين، عقوق الابن لأمه وأبيه، وقد نهى الله عز وجل عن عقوق الوالدين، ولو بأقل الألفاظ فقال تعالى: ” فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً ” الإسراء: 23 – 24. وقرن سبحانه شكر الوالدين بشكره، فقال: ” أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ” لقمان: 14. وجعلَ الإحسان إليهما بعد الأمر بعبادته وحده لا شريك له فقال سبحانه: ” وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ” الإسراء: 23. والإحسان إلى الوالدين هو وصية الله تبارك وتعالى لعباده كما قال سبحانه: ” وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ ” العنكبوت: 8. وقد شدَّد النبي صلى الله عليه وسلم على عقوق الوالدين وجعله من أكبر الكبائر، وقرنه بالشرك بالله عز وجل فعن أبي بكرة قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: “ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟” قالها ثلاثاً، قالوا: بلى يا رسول الله قال: “الإشراك بالله وعقوق الوالدين” رواه البخاري.
ومع كل هذا الترغيب في طاعة الوالدين والإحسان إليهما وبرهما، والترهيب من عقوقهما وعصيانما، نجد صوراً مأساوية يتجلَّى فيها العقوق بأبشع صوره، فالولد يتهكَّم على والده، ويستهزئ به في المجالس، ويسخر منه أمام الناس، ويشتم أمه، وربما ضربها بيديه ورجليه، ولطالما كانت تمسح عنه الأذى بيمينها، وتسهر عليه إذا اشتكى، فلا تنام حتى ينام، ولا تستريح حتى يستريح. فهذا حق الوالد على ولده، ولكن للأسف فإن الذين يقومون بهذا الحق هم الأقلون، والذين يضيعونه هم الأكثرون، فما أكثر ما نسمع عن أناس قويت سواعدهم، واشتدت كواهلهم، فأول ما فعلوا أن تَكَبَّرُوا على أوامر الله تعالى وشرعه، فأعرضوا عن كتاب الله، وأعرضوا عن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لم يعرفوا طريقاً إلى المسجد، ولا سبيلاً إلى طاعة من الطاعات، ثم بعد ذلك عقُّوا الوالدين في وقت ضعفهما، في وقت قد بلغا فيه من أرذل العمر، وهما في حاجة إلى العطف والحنان والرعاية من هؤلاء الأبناء.