علّمنا التاريخ أن كلّ لفتة أو حركة دعم للشعب الفلسطيني في نضاله ضدّ الاحتلال الصهيوني لا تمرّ من دون إثارة حفيظة داعمي الصهيونية، خصوصاً إذا كان أحد البلدان الغربية مسرحاً لهذا الدعم. هذا بالضبط ما حدث مع الروائية الإيرلندية الشابّة سالي روني (1991)، التي رفضت، في أكتوبر الماضي، بيع حقوق ترجمة عملها الأخير “أيها العالم الجميل، أين أنت؟”، إلى دار نشر إسرائيلية كانت ترغب بنقله إلى العِبرية.
روني، التي كانت قد وقّعت، إلى جانب آلاف الكتّاب والفنانين من حول العالَم، بياناً في ماي يدين الاحتلال الصهيوني في عدوانه على القدس المحتلّة، شرحت رفضها ترجمة روايتها في “إسرائيل” بأنّها لا ترغب في أن يصدر نصٌّ لها لدى دارٍ “لا تُعلن صراحةً نأْيَها بنفسها عن نظام الفصل العنصري (الأبارتايد) ولا تدعم حقوق الشعب الفلسطيني، معربةً بلا أيّة مواربة عن موقفها من قضيّة الشعب الفلسطيني: “أعبّر عن تضامني مع الشعب الفلسطيني في نضاله من أجل الحرّية والعدالة والمساواة”.
وكالعادة، لم يمرّ موقفٌ كهذا من دون إيقاظ الأصوات الصهيونية في الإعلام الغربي، حيث تعرّضت للنقد، فيما دعا البعض إلى مقاطعة روايتها، وهي التي تُعَدّ من أكثر كتّاب بلدها شهرةً ومبيعاً للروايات. هجومٌ أظهر الكاتبة الشابة، لوهلةٍ، وحيدةً بين براثن الماكينة الدعائية الصهيونية في الغرب غير أن الأمر لم يطُلْ كثيراً، حيث خرج سبعون كاتباً وكاتبةً بارزين في بريطانيا والولايات المتّحدة لدعم زميلتهم والدفاع عنها، في رسالة نشروها، ووصفوا فيها موقفها بأن “ردٌّ مثاليّ على الظُّلم المتزايد الذي يتعرّض له الفلسطينيون”.
الرسالة التي جاءت بدعوة وتنسيق من شبكة “فنانون من أجل فلسطين في المملكة المتّحدة”، حملت تواقيع شخصيات كلّها من الصفّ الأوّل في الفضاء الأدبي والفني الأنغلوساكسوني، مثل الكاتب الإيرلندي كيفين بارّي (حائز “جائزة دبلن الدولية للأدب” و”جائزة غولدسميث” المعروفتين)، والكاتبة الباكستانية البريطانية كاملة شمسي، التي سبق لها أن رفضت، عام 2018، ترجمة رواية لها في “إسرائيل”، والأكاديمية الأسترالية كارمن كالِل (عضو لجنة “جائزة بوكر” لسنوات)، والكاتبة المسرحية البريطانية كاريل تشرتشل، والناشر والصحافي الأمير فرانسيسكو غولدمان، والروائية الأمريكية راشيل كوشنر، والروائية البريطانية البنغلاديشية مونيكا علي، والمنتج السينمائي والمدرّس في “جامعة كاليفورنيا” جيمس شايموس، والروائي البريطاني، حائز أكبر عدد من جائزة “آرثر س. كلارك” المرموقة للخيال العلمي بالإنجليزية، تشاين ميافيل، والمترجم الأمريكي إليوت واينبرغر، والناشر جاك تسترد صاحب دار “Fitzcarraldo Editions”، إحدى أبرز دور النشر البريطانية اليوم، والروائية المصرية أهداف سويف، والمفكّر الباكستاني طارق علي، على سبيل المثال لا الحصر.
وجاء في الرسالة: “بصفتِنا كتّاباً وزملاءً، نودُّ التعبير عن دعمنا للروائية سالي روني. لقد دعا الفنانون الفلسطينيون نُظَراءهم حول العالم إلى وضع حدّ لتواطؤهم مع انتهاكات إسرائيل لحقوقهم كبشر، وهو أمرٌ يمثّل واجباً أخلاقياً واضحاً بالنسبة إلى كثيرين منّا. ولهذا، فإنّ رفض سالي روني توقيعَ عقد مع ناشر إسرائيلي من التيار السائد معروف ــ وهو ناشر يقوم بتوزيع أعمال وزير الدفاع الإسرائيلي ــ يمثّل ردّاً مثاليّاً على الظُّلم المتزايد الذي يتعرّض له الفلسطينيون”.
وذكّر الموقّعون بأنه “قبل أقل من عام، خلُصتْ منظّمة “هيومين رايتس ووتش” إلى أن “إسرائيل سلبت الفلسطينيين، وقامت بعزلهم، وفصلهم بالقوّة، وإخضاعهم”، الأمر الذي يمثّل “جرائمَ فصلٍ عنصري واضطّهادٍ ضدّ الإنسانية”. ولم تمرّ إلّا أشهر قليلة على آخر قصفٍ لغزّة، وعلى آخر اقتحامٍ للمسجد الأقصى وآخر جولةٍ من قرارات طرد السكّان من القدس الشرقية المحتلّة”.
ق/ث