قد حذَّرَ الله من اليأس والقُنوط من رحمته، فقال تعالى: ” قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ” الزمر: 53، قال ابنُ كثير: “هذهِ الآيةُ الكريمةُ دَعْوَةٌ لجميعِ العُصاةِ منَ الكَفَرَةِ وغيرِهم إلى التوبةِ والإنابةِ، وإخبارٌ بأنَّ اللهَ يَغفِرُ الذُّنوبَ جميعاً لمنْ تابَ منها ورَجَعَ عنها، وإنْ كانت مَهْما كانت، وإنْ كَثُرَت وكانت مِثْلَ زَبَدِ البَحرِ، ولا يَصِحُّ حَمْلُ هذهِ على غيرِ تَوبَةٍ؛ لأنَّ الشِّركَ لا يُغفَرُ لمن لَم يَتُب منهُ”. وقال تعالى: ” وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ ” الروم: 36، وقال تعالى: ” وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ” الحجر: 56، وقال تعالى: ” وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ” يوسف: 87.
ولقد حذَّرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلَّم من القُنوط من رحمة الله، وأوجبَ صلى الله عليه وسلم أن يكون المؤمنُ راجياً رحمةَ اللهِ خائفاً من عذابهِ. قال صلى الله عليه وسلم: “لوْ يَعلَمُ المؤمنُ ما عندَ اللهِ من العُقُوبةِ ما طَمِعَ بجنَّتِهِ أَحَدٌ، ولو يَعلَمُ الكافرُ ما عندَ اللهِ منَ الرَّحمةِ ما قَنَطَ من جنَّتِهِ أحَدٌ” رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلَّم: “ثلاثةٌ لا تَسأَلْ عنهُم: رَجُلٌ نازَعَ اللهَ رِداءَهُ، فإنَّ رِداءَهُ الكِبرِيَاءُ وإِزارَهُ العِزَّةُ، ورَجُلٌ شكَّ في أَمْرِ اللهِ، والقُنوطُ من رحمةِ اللهِ” صحَّحه الألباني. وقالَ ابنُ مسعودٍ رضي الله عنه: “الكبائِرُ: الشِّركُ باللهِ، واليَأْسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ، والقنُوطُ من رحمةِ اللهِ، والأمنُ من مَكْرِ اللهِ” رواه الطبرانيُّ . ولقد اتفق أهل السنة والجماعة على أنه يجب أن يجمع العبد بين الخوف والرجاء في حياته، فلا يأمن مكر الله، ولا ييأس من رحمته، قال الشيخ عبد الرحمن بن قاسم رحمه الله: “إنَّ المؤمنَ يَسيرُ إلى الله بين الخوف والرَّجاء، كما دلَّ عليه الكتابُ والسنةُ، وأجمعَ عليه سلَفُ الأمةِ، فلا يُغلِّب جانبَ الرَّجاءِ فيأمَنُ مكرَ الله، ولا يُغلِّب جانبَ الخوفِ فييأس من رَوْحِ الله”.