عن أبو هريرة رضي الله عنه: ” قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة وقمنا معه، فقال أعرابي وهو في الصلاة: اللهم ارحمني ومحمدًا، ولا ترحم معنا أحدًا. فلما سلّم النبي صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي: لقد حجرتَ واسعًا. يريد رحمة الله ” رواه البخاري. فالنفس البشرية تميل إلى الأنانية، ليس في الأمور المادية فحسب، بل في النفسية والعقدية أيضًا، وهذا ما وسوست به نفس الأعرابي، فهو محب للرسول الذي هداه للإسلام، ومحب لنفسه، فدعا أن تكون الرحمة له وللرسول فقط. وسرعان ما نبهه الرسول عقب التسليم من الصلاة: ” لقد حجرتَ واسعًا “، أي حدّدتَ الرحمة وضيقتَها، وهي لا آخر لها.
والجملة المُقَالة بسيطة، غير مباشرة ذات عمومية في دلالتها، ولكن من معانيها: محبة أبناء المجتمع المسلم، وتمني الرحمة للجميع، فهم إخوانه في العقيدة، سيتراحمون معه في أمور الدنيا، وكما سيدعو الأعرابي لهم، سيدعون هم له. وفي المقابل، فإن من يقسُ على الناس، يُقسَ عليه. فعن جرير بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من لا يرحم لا يُرحَم ” رواه البخاري. والصيغة عامة، غير مختصة، ولكنها متوجهة بالخطاب إلى كل إنسان: من لا يرحم الآخرين، لا يرحمه الآخرون، وإذا قسا على فرد أو فئة، ظانًا الضعف منهم، فإن الله سيقيّض من لا يرحمه. وشواهد التاريخ والحياة كثيرة فيمن قسا وظلم، فسلط الله عليه من أذاقه نفس الكأس وأشد.
ومن المهم التأكيد على أن من أسباب سعادة المرء في الدنيا أن يكون فردًا ذو دور اجتماعي فعال، من خلال مساعداته ومعاملاته الحسنة للناس، فمن ينشر قيم التراحم الاجتماعي ينعم بمحبة الناس ورضاهم، فيشعر بالتفاؤل والرضا، ويمحو من قلبه القلق والسخط، ويتعمق لديه الصبر والشكر، فهو يرى مآسي الناس، فيحمد الله على ما أعطاه من نعم، ويصبر على ما أصابه من بلاء، وبالتالي فإنه سيكون أكثر عفوًا وتسامحًا في حياته، وهذا له الأثر الكبير في صحته الجسدية وتحقيق النعيم النفسي والسكينة والأمان .