يُظهر الكتاب العربي الجديد “الثورة الجزائرية في الصحافة المصرية (1954–1962)” أن الإعلام المصري تبنّى، منذ اندلاع الثورة في نوفمبر 1954، موقفا مبدئيا لا لبس فيه تأييد مطلق للثورة الجزائرية باعتبارها “قضية العرب الأولى بعد فلسطين”.
فقد خصصت الصحف الكبرى مساحات واسعة لتغطية العمليات الفدائية، ونشرت حوارات مع مناضلين جزائريين، وافتتاحيات تفضح جرائم الاحتلال الفرنسي، مستخدمة الصور المهرّبة من الجبال لكشف الوجه الحقيقي للاستعمار أمام الرأي العام العالمي. بهذا المعنى، تحوّلت الصحافة المصرية إلى جبهة مقاومة إعلامية موازية لجبهة القتال، حيث أصبحت الكلمة سلاحا، والصورة رصاصة، والعنوان موقفا وطنيا لا يقلّ شجاعة عن الفعل الثوري في الميدان. ولم يكن هذا العمل مجرّد دراسة أكاديمية في أرشيف الصحف، بل رحلة في ذاكرة الأمة العربية، تستحضر كيف كانت “القاهرة” تكتب الجزائر لا كخبر خارجي، بل كقضية داخلية من لحمها ووجدانها. في كل عدد من جرائد: “الأهرام” و”الأخبار” و”الجمهورية”، كانت الثورة الجزائرية حاضرة كأنها تجري في شوارع القاهرة نفسها. كانت مصر ترى في الجزائر صورتها الأخرى، وكان الصحفيون المصريون يدركون أن ثورة الجزائر هي امتداد لثورة العرب جميعا ضد الاستعمار. ومن خلال تحليل دقيق لعشرات المقالات والتغطيات التي رافقت سنوات الثورة، يقدّم الكتاب صورة فريدة لتلك المرحلة. فقد كانت الصحافة المصرية، كما يؤكد المؤلف، ليست ناقلا للحدث بل صانعا للوعي العربي. واجهت آلة الدعاية الفرنسية، التي وصفت الثوار بـ “الإرهابيين”، بمقالات تنضح بالكرامة والوجدان العربي، تُبرز بطولات المجاهدين الجزائريين، وتكشف المجازر الفرنسية التي حاولت باريس طمسها. لم تكن المقالات المصرية حيادية، بل كانت تعبّر عن وجدان الأمة في لحظة وجودية فاصلة. ومن بين أبرز خلاصات الكتاب أن الصحافة في تلك المرحلة لم تكن تلهث وراء “السبق الصحفي”، بل كانت تبحث عن “الموقف الأخلاقي”، وأن الصحفي العربي أدرك يومها أن الكلمة مسؤولية وطنية، وليست مجرد مهنة.
ق\ث