رحلة إلى بيت المقدس

 رحلة إلى بيت المقدس

دعونا نشد الرحال بالأرواح إلى بيت المقدس لتبدأ الحكاية فيما رواه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول مسجدٍ وُضع في الأرض، قال: “المسجد الحرام”، قلت: ثم أي؟ قال: “المسجد الأقصى”، قلت: كم بينهما؟ قال: “أربعون عامًا”. ليستوطنه بعد ذلك الأنبياء، فيهاجر إليه إبراهيم، ويرزق فيه بإسماعيل وإسحاق، ويعيش في كنفه يعقوب، فيرزق فيه بيوسف، ثم يقصده موسى ويحدِّث قومه بالوصول إليه ” يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ” المائدة: 21، فيَتِيه القوم بعد عنادهم لرسولهم ” قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ” المائدة: 26. فيحمل الرسالة زكريا، ويركع في محراب بيت المقدس، ويرزق بيحيى، وتنشأ فيه مريم، ويولد على أبوابه عيسى عليهم الصلاة والسلام جميعًا. ثم تسلَّم الراية إلى خاتم النبيين وإمام المرسَلين صلى الله عليه وسلم، فينال الشرف الرفيع في رحلة الإسراء؛ ليعقد لقاء القمة في أكناف بيت المقدس، يا محمد، قد جمع لك الأنبياء جميعًا في هذا المكان الطاهر، فأوصِ أمتك ألا تفرِّط فيه.

فيصلي عليه الصلاة والسلام ستة عشر شهرًا إلى بيت المقدس قبل ان يصرف الى الكعبة، ويغرس حب البيت في أصحابه وأمته وهو يقول ” لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومسجد الأقصى”، ويذكِّر أصحابه بوصايا إخوانه الأنبياء من قبله، فيقول كما روى ابن ماجه وغيره بسند صحيح من حديث عبد الله بن عمرو ” لما فرَغ سليمان بن داود من بناء بيت المقدس، سأل الله ثلاثًا: حُكمًا يصادف حُكمَه، ومُلكًا لا ينبغي لأحد من بعده، وألا يأتي هذا المسجدَ أحدٌ لا يريد إلا الصلاة فيه إلا خرج من ذنوبه كيومَ ولدَتْه أمه”، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “أما اثنتان فقد أُعْطِيَهما، وأرجو أن يكون قد أُعْطِيَ الثالثة”. فيتلقى الصالحون من أبناء هذه الأمة الرسالة، فينهضون لنصرة بيت المقدس كلما صرخ؛ فصلاح الدين الابن البار لهذه الأمة يدخله باثني عشر ألف مقاتل ليهزم ثلاثين ألفًا من الصليبيين، ويأسر مثلهم، إن بيت المقدس اليوم بحاجة إلى رجال من أمثال أولئك العظام الذين عرَفوا عظيم الترِكة التي حملوها.

 

من موقع الالوكة الإسلامي