الحرائق الأخيرة تكشف حجم التحديات وتُبرز صمود أعوان الحماية المدنية

رجال في مواجهة ألسنة النيران

رجال في مواجهة ألسنة النيران
  • 41 حريقا في 24 ساعة.. نجاح في إخماد أغلبيتها بجهود استثنائية

  • تعبئة شاملة.. أرتال متنقلة وطائرات إخماد في الخطوط الأولى

أعادت الحرائق التي اندلعت مؤخرا في غابة الشريعة بولاية البليدة، إلى جانب ولايات بجاية، جيجل، سطيف وقسنطينة، طرح ملف حرائق الغابات إلى الواجهة، بعد أن سجّلت المديرية العامة للحماية المدنية بين 26 و27 أوت 2025 ما يقارب 41 حريقا عبر مختلف الولايات، أُخمد منها حتى منتصف نهار الأربعاء 32 بشكل نهائي فيما بقيت سبعة تحت المراقبة.

Peut être une image de 1 personne et arbre

هذه الأرقام، تعكس حجم الضغط الذي تواجهه وحدات التدخل كل صيف، لكنها تكشف أيضا عن قدرة الحماية المدنية على حشد فرقها ووسائلها الجوية والبرية في وقت قياسي. واندلع، الأربعاء، حريق واسع في غابة الشريعة بولاية البليدة، مخلّفا حالة استنفار قصوى في صفوف الحماية المدنية، بالتوازي مع حرائق أخرى ضربت ولايات بجاية، جيجل، سطيف وقسنطينة. وحسب الحصيلة الرسمية للفترة الممتدة من 26 إلى 27 أوت 2025، سُجّل 41 حريقا في الغابات والأحراش، منها 32 أُخمدت نهائيا، فيما استمرت عمليات السيطرة على سبعة حرائق أخرى، بينما وُضعت حالتان تحت المراقبة. في البليدة، شكّل حريق الشريعة محورا رئيسيا في عمليات التدخل، حيث سُخرت الرتل المتنقل لمكافحة حرائق الغابات للولاية، مدعوما بوسائل من المدية، إلى جانب تدخل الوحدة الوطنية للتدريب والتدخل. كما تم تجنيد المفرزة الجهوية للشلف والبويرة، في إشارة واضحة إلى منهجية التنسيق بين مختلف المصالح لتطويق النيران ومنع امتدادها إلى مناطق آهلة بالسكان. أما ولاية بجاية، فقد واجهت في الوقت نفسه سلسلة حرائق متفرقة طالت مناطق مثل جبل ناصح ببلدية تيشي، زندوت وأيت عنان بسوق الاثنين، وتالة خالد بأوقاس. وقد جرى التدخل هناك عبر ثلاث طائرات إخماد من نوع AT802، إلى جانب فرق التدخل الأرضي التي عملت على احتواء ألسنة اللهب وحماية المزارع والبيوت المجاورة. هذه التعبئة الجوية والبرية جنّبت المنطقة خسائر أكبر، رغم استمرار بعض الجيوب المشتعلة تحت الحراسة. كما سُجّلت حرائق أخرى في ولايات سطيف، سكيكدة، قالمة وقسنطينة، وتم التعامل معها بوسائل متفاوتة بين الإخماد النهائي ووضعها تحت المراقبة. ففي سطيف مثلا، أُخمد حريق الأحراش بمشتة لعواصنة نهائيا، بينما بقيت بعض الحرائق في قنواع بولاية سكيكدة تحت السيطرة. هذا التوزع الجغرافي يعكس صعوبة المهمة، إذ يفرض على الحماية المدنية الانتشار السريع في مناطق متعددة ومتباعدة في الوقت نفسه. وتشير هذه الوقائع إلى أن الغطاء الغابي الجزائري ما زال عرضة لموجات متكررة من الحرائق، وأن التدخلات الميدانية، رغم فعاليتها، تظل معركة استنزاف تتكرر كل موسم. فبينما تواصل الطائرات طلعاتها وتعمل الأرتال المتنقلة على الأرض، يظل التحدي الأكبر في محاصرة النيران في بدايتها، وهو ما يضع قضية الوقاية والتخطيط المسبق في صدارة الاهتمامات الوطنية، تمهيدا لتناول أبعاد أخرى مرتبطة بالعنصر البشري وتضحيات رجال الحماية في الميدان.

 

رجال في الخطوط الأمامية.. تضحيات بلا حدود

Peut être une image de 1 personne

وتُظهر حرائق الشريعة وبجاية، كما في باقي ولايات الوطن، أن رجال الحماية المدنية هم رأس الحربة في معركة مواجهة النيران. فمنذ الساعات الأولى لاشتعال الحرائق، انتشر أعوان وفرق التدخل عبر المسالك الوعرة للغابات، وهم يواجهون ألسنة اللهب والدخان الكثيف بوسائل ميدانية متنوعة، من خراطيم المياه إلى العربات المجهزة بأنظمة إخماد حديثة. ورغم أن طبيعة التضاريس الجبلية تزيد من صعوبة التحرك، إلا أنّ عناصر الحماية أثبتوا قدرة على التكيّف والانتشار السريع في نقاط متفرقة، ما سمح بتطويق النيران ومنع توسّعها نحو التجمعات السكنية. الجهود لم تتوقف عند حدود السيطرة على ألسنة اللهب، وامتدت إلى إجلاء العائلات من المناطق المهددة، كما حدث في بعض أحياء بلدية الشريعة حيث سُجّلت عمليات إبعاد ناجحة للسكان لتفادي أي خسائر بشرية. هذه التدخلات الوقائية أظهرت مرونة كبيرة في العمل الميداني، إذ جرى تأمين المئات من المواطنين في ظرف وجيز، وهو ما يعكس مستوى الاحترافية والتنظيم داخل الجهاز. ولمواجهة كثافة الحرائق وتزامنها في أكثر من ولاية، لجأت الحماية المدنية إلى تفعيل الرتل المتنقل لمكافحة حرائق الغابات، الذي يضم تجهيزات متخصصة للتدخل السريع، إلى جانب دعم من مفارز جهوية قادمة من ولايات مجاورة مثل الشلف والبويرة. هذه الآلية سمحت بتوزيع الجهد على عدة جبهات في وقت واحد، وأكدت أن الحماية المدنية تعمل وفق مقاربة استباقية قائمة على تعزيز القدرات البشرية واللوجستية. أما على مستوى السماء، فقد لعبت ست طائرات إخماد من نوع AT802 دورا أساسيا في محاصرة ألسنة النيران، إلى جانب طائرتين BE-200 تابعتين للجيش الوطني الشعبي. هذا التكامل بين الوسائل الجوية والبرية عزّز فعالية التدخلات، خاصة في المناطق الجبلية الوعرة مثل بجاية وتيزي وزو، حيث يصعب على العربات المجهزة الوصول إلى بؤر النيران. وقد أسهم هذا التعاون في تسريع عمليات الإخماد والحد من الخسائر. وتُجمع المؤشرات والأرقام الرسمية على أن الحماية المدنية تحولت إلى قوة إنقاذ متكاملة تجمع بين الشجاعة الفردية للأعوان، والتنظيم الميداني للأرتال، والدعم الجوي للجيش. وبفضل هذه الجهود المتضافرة، جرى التحكم في أكثر من ثلثي الحرائق خلال 24 ساعة فقط، ما يعكس إرادة حقيقية في حماية الأرواح والممتلكات، ويمهّد للحديث عن حجم التضحيات الإنسانية التي يقدمها هؤلاء الرجال في مواجهة تحديات موسمية متكررة.

 

تعبئة شاملة للموارد والوسائل الجوية والبرية

Peut être une image de feu

ولمواجهة النيران التي اندلعت في وقت متزامن عبر ولايات البليدة، بجاية، تيزي وزو، جيجل، سكيكدة وقسنطينة، وضعت الحماية المدنية خطة تدخل واسعة النطاق ارتكزت على تعبئة جميع الوسائل المتوفرة، البرية والجوية على حدّ سواء. فقد تم تفعيل الأرتال المتنقلة لمكافحة حرائق الغابات، وهي تشكيلات مجهّزة بعتاد خاص يتيح التدخل في التضاريس الجبلية الوعرة التي تتميز بها مناطق الشمال. على المستوى الجوي، شكّل تسخير ست طائرات إخماد من نوع AT802 إضافة نوعية لعمليات المكافحة، خاصة في المناطق التي تعذّر على الآليات الأرضية الوصول إليها. كما عزّزت طائرتان من نوع BE-200 تابعة للجيش الوطني الشعبي من فعالية التدخل، بفضل قدرتها على حمل كميات كبيرة من المياه والقيام بطلعات متكررة في زمن قياسي. هذه الإمكانيات التقنية عكست توجه الدولة نحو الاستثمار في وسائل عصرية لمجابهة الحرائق، بعدما أثبتت التجارب السابقة أن الاعتماد على الوسائل التقليدية وحدها لم يعد كافيا. التنظيم الميداني كان عنصرا أساسيا في هذه التعبئة، حيث تم تنصيب مركز قيادة عملي بالشريعة لتنسيق جهود مختلف الوحدات المتدخلة. هذا المركز لعب دور العقل المدبّر للعملية، من خلال توزيع الفرق على المحاور الأكثر خطورة، وضمان التدخل المتزامن بين الأرض والجو. ووفق المعطيات الرسمية، فقد ساهم هذا التنسيق في تحقيق نتائج ملموسة خلال ساعات قليلة، إذ جرى احتواء معظم الحرائق، فيما وُضعت البقية تحت المراقبة المستمرة. كما عكست عمليات الإسناد بين الولايات روح التضامن الوطني، إذ انتقلت مفارز متخصصة من ولايات مجاورة بسرعة نحو بؤر الخطر. هذا الحشد يعكس قدرة الجزائر على تعبئة مواردها الوطنية بشكل جماعي، بحيث تتحوّل مواجهة الحرائق إلى جهد وطني تشارك فيه مختلف القطاعات، من الحماية المدنية إلى الجيش، مرورا بالسلطات المحلية. ويُظهر ذلك أن الدولة باتت تعتمد على مقاربة شمولية، تُزاوج بين الاستعداد التقني والجاهزية البشرية. هذه الترسانة من الإمكانيات لم تمنع من تسجيل خسائر بيئية معتبرة، لكنها أسهمت بشكل واضح في تقليص حجم الأضرار وحماية الأرواح. فإخماد 32 حريقا من أصل 41 في ظرف يوم واحد مؤشر على أن الاستثمار في العتاد وتوسيع نطاق التدخل الجوي والبري يترجم مباشرة في الميدان إلى نتائج ملموسة. غير أن هذه النجاحات الميدانية، رغم أهميتها، تفتح الباب أمام تساؤلات أعمق حول مدى كفاية هذه الوسائل لوحدها، وأي دور يُنتظر أن تلعبه استراتيجيات الوقاية والتخطيط الاستباقي في مواجهة حرائق متجددة كل صيف.

 

الرهان على الاستمرارية وبناء استراتيجية وقائية

Peut être une image de 1 personne et feu

وتؤكد الوقائع الميدانية الأخيرة أن مواجهة حرائق الغابات في الجزائر أصبحت معركة شاملة تتطلب رؤية طويلة الأمد. فالتعبئة الكبيرة التي شهدتها ولايات البليدة، بجاية، تيزي وزو، سكيكدة، جيجل وقسنطينة أظهرت أن الحماية المدنية قادرة على التدخل السريع والفعّال، غير أنّ الظاهرة نفسها مرشحة للتكرار سنويا مع تفاقم التغيرات المناخية، ما يستدعي استراتيجية وقائية أكثر شمولا واستدامة. وتطرح هذه المعطيات تحديات جديدة أمام السلطات، أبرزها ضرورة تعزيز القدرات التقنية واللوجستية عبر توسيع أسطول الطائرات المخصصة للإخماد، وتطوير أنظمة الإنذار المبكر التي تتيح التدخل في الدقائق الأولى من اندلاع الحرائق. كما يبرز البعد العلمي كعامل أساسي، من خلال إشراك مراكز البحث في دراسة أسباب اندلاع الحرائق وتقديم حلول عملية للحد من انتشارها. في المقابل، لا يمكن إغفال أهمية التنسيق بين مختلف الفاعلين، من الحماية المدنية إلى الجيش الوطني الشعبي ومصالح الغابات والجماعات المحلية. إنّ تجربة التدخل الميداني الأخير أظهرت أن تضافر الجهود هو ما أحدث الفارق في احتواء النيران والحد من خسائرها. ولعل ما يجب التركيز عليه في المستقبل هو تطوير آليات التدخل المشترك وتوسيع نطاق التمرينات الميدانية بين مختلف الأجهزة. كما يبقى الدور المجتمعي عنصرا حاسما في بناء جدار وقائي ضد الحرائق، من خلال نشر ثقافة الوقاية، وتفعيل دور الجمعيات المحلية في التوعية، إلى جانب إشراك المواطنين في الإبلاغ المبكر عن أي بؤر اشتعال. فالتجربة بيّنت أن سرعة الإخطار هي المفتاح الأول للتقليل من الخسائر، وأنّ حماية الغابات مسؤولية جماعية لا تنحصر في جهاز بعينه. وفي النهاية، فإن الرهان الحقيقي يكمن في الانتقال من ردّ الفعل إلى الفعل الاستباقي، عبر الجمع بين التخطيط العلمي، الاستثمار في الوسائل العصرية، التكوين المتواصل للأعوان، والشراكة الفعلية مع المجتمع المدني. بذلك فقط يمكن للجزائر أن ترسم ملامح استراتيجية وطنية صلبة لمكافحة الحرائق، تحفظ ثروتها الغابية وتكرّس صورة الحماية المدنية كخط دفاع متين عن الأرواح والبيئة، وتحوّل التحدي الموسمي إلى فرصة لتعزيز مناعة البلاد أمام أخطار الطبيعة.

م. ع

Peut être une image de 5 personnesPeut être une image de 6 personnes, feu et textePeut être une image de 7 personnes et feuPeut être une image de 1 personne et textePeut être une image de 6 personnes, feu et textePeut être une image de 1 personne, brouillard et routePeut être une image de ambulance et textePeut être une image de 6 personnes et arbrePeut être une image de 13 personnes et textePeut être une image de 7 personnes et brouillardPeut être une image de 7 personnesPeut être une image de 4 personnesPeut être une image de 5 personnes, feu et textePeut être une image de 4 personnes et textePeut être une image de 5 personnes, rhinocéros et textePeut être une image de 1 personne et textePeut être une image de 1 personne et textePeut être une image de 1 personne et texte qui dit ’ON CIVILE 00505 720 0050572036 36’Peut être une image de feuPeut être une image de feu et brouillardPeut être une image de feuPeut être une image de 4 personnes