مسيرته الحياتية أضخم رواياته.. بها من الحبكات ما يجعلها تصنف هكذا.. مفارقات عديدة وشخصيات درامية ومشاعر احترف التعبير عنها؛ فواسيني الأعرج كاتب استطاع ببراعة أن يخرج من بوتقة الأدب الجزائري إلى العالمي وتنتشر أعماله بكثرة في جميع دول الوطن العربي ما جعل سيرته الدرامية تنتشر مثل انتشار رواياته؛ وتبدأ رواية صاحب “أصابع لوليتا” من اسمه واسيني الأعرج.. اسم محفوف بالغرابة.
واسيني الأعرج.. ما سر هذا الاسم الغريب
واسيني الأعرج اسم غريب؛ أو كما يظن البعض ذلك؛ لكن الأعرج نفسه يقر بغرابته وكشف ذات مرة في إحدى حواراته الصحفية عن سر تسميته بهذا الاسم؛ فقال :”مولدي جاء في عيد الأضحى وجرت العادة في الجزائر أن يسمى المولود باسم “الفصل”، وأسماء أغلب الجزائريين ترتبط بأسماء الفصول أو المناسبة التي تصادف الميلاد، مثلا من يولد في العيد يسمى “عيد”، ومن يولد بين العيدين يسمى “بلعيد”، ومن يولد في الربيع يسمى الربيع وهكذا.. وحدث أن شاهدت أمي في حلمها الشيخ “محمد الواسيني”، حين كانت حاملا بي وهو أحد الشيوخ الكبار وقال لها إنها سترزق بابن ولا بد أن تسميه “واسيني” أو سيأتي هو ليأخذه!، وفسرت والدتي الحلم بأنني سأموت إن لم تسمني واسيني وحين جاء يوم الميلاد والتسمية كان جدي والد أبي يريد أن يسميني عيد كما جرت العادة، ووقفت أمي له وقالت “هل تريد لإبني أن يموت؟!”، وحكت له قصة الحلم وتنازل جدي وأسماني “واسيني” كما طلبت أمي”؛ كما يحكي أنه يلبس تميمة في عنقه لا يفارقها وهي ذكرى أهدتها له أمه.
منحة الأم
“ميما ميزار” هي أمه التي منحته كل شيء؛ يحكي الأعرج: “استشهد الوالد وهي في عز شبابها ولم تفكر في شيء آخر سوى تنفيذ وصيته “علّمي الأولاد”.. عرفتُ من خلال أوجاعها كيف يبني الإنسان فرحًا من لا شيء أحيانًا، تعلمت منها المقاومة بتواضع وبلا ضجيج، في الأوضاع الأكثر يأسًا؛ وفاتها تركت فيَّ فجوة كبيرة في أعماقي، لأنَّ البتر هذه المرة كان قاسيًا وبلا تحضير، لأول مرة يقطع الموت الحبلَ السري بعنف، وأجدني في دوامة الفراغ مثل عنصر لا يشده إلى الحياة أي رابط أو أية جاذبية”.
استشهد والده في الثورة التحريرية عام 1959، انتقل مع عائلتهِ إلى مدينة تلمسان حينما بلغ العاشرة من عمره؛ بعدها انتقل إلى مدينة وهران، مكث فيها أربع سنين؛ وهناك كانت تجربته الأولى مع الحياة العملية إذ عمل صحفيًا محررًا ومترجمًا للمقالات. وكان في الوقت نفسه يتم تعليمه الجامعي في قسم الأدب العربي.
بدأت أعمال واسيني الأعرج في الظهور عام 1974 حين صدرت له رواية “جغرافية الأجساد” عن مجلة آمال بالجزائر؛ سافر إلى دمشق ولبث فيها عشر سنوات حاز في نهايتها على شهادة الماجستير برسالة بحث حملت عنوان “اتجاهات الرواية العربية في الجزائر” ثم ناقش رسالة دكتوراه دولة تحت عنوان “نظرية البطل في الرواية”.
عاد إلى الجزائر في سنة 1985 والتحق بجامعة الجزائر المركزية كأستاذ للمناهج والأدب الحديث.
بداية الرحلة
يؤكد واسيني أنه بدأ قاصاً، كتب العديد من القصص القصيرة ، ونشر ثلاث مجموعات قصصية تناول فيها من خلال السرد المكثف الأوضاع التي كانت تعيشها الجزائر من فترة الاستعمار إلى الوقت الحاضر، وتناول بعض القضايا العربية التي كانت تشغله ككاتب، لكن بدءاً من الثمانينيات توقف عن كتابة القصة القصيرة، وبدأ يكتب الرواية واعتبر أن كتابة القصة بالنسبة له كانت مرحلة طارئة في الحقيقة وعن ذلك يقول: “حتى في قصصي القصيرة بعد سردي، ونفس طويل، لا يمكن للقصة القصيرة أن تستوعبه، فوجدت في الرواية وسيلتي وضالتي في الكتابة”.
سيرة ذاتية
كتب واسيني الأعرج سيرته الذاتية وسماها “سيرة المنتهى.. عشتها كما اشتهتني”، يتناول فيها ما صنع تجربته الخاصة الحياتية والأدبية والثقافية، ويقول عنها: “عشت حياة اجتماعية قاسية تلخصت في استشهاد والدي عام 1959، ولكن بوجود أم مثالية راهنت على تعليمي انتقلت من قريتي المليئة بالأحلام والكوابيس إلى المدن الكبيرة كوهران والجزائر ودمشق وباريس، مما منحني الإحساس بأنني كائن ينتمي إلى اللامكان، لا تشدني الأيديولوجيا أو السياسة، ولكنني سيد أفكاري، وغلافي الأوحد وصديقتي هي الحرية دائما”.
يعترف “”الأعرج” أنه بات يتعاطى الكتابة على أساس أنها حرفة تتطلب الجلوس ساعات خلف المكتب يوميا، ويقر للمشرق العربي -خاصة سوريا- بأنه علمه اللغة العربية وهو القادم من بيئة تشربت الفرنسية بفعل الاستعمار.
وعن نظرته للحياة يقول في حوار سابق: “الحياة رهان جميل، يجب ألا يضيع في الفراغ، أحب الحياة التي أشتهيها لا تلك التي تفرَض علي، أحب ما كتبته لأن كل لحظة هي شكل من الحياة، وما اشتهيت كتابته هو رواية أمي وذاكرتها العظيمة و”تقرير إلى غريكو” لكازانتزاكي، ولو طلب مني تعريف الأدب والسيرة الذاتية لقلت إنه متجسد في تقرير إلى غريكو”.
كبرت وتكونت ونشرت قصصي وأولى رواياتي في الجزائر، ثم ذهبت إلى دمشق حالما بلغة عربية كنت دائما أبحث عنها وأنا القادم من مدرسة فرانكفونية، إذ كنا ندرس كل شيء بالفرنسية.
في باريس وقتي صارم. أكتب كل الوقت، أصبحت الكتابة عندي مثل الحرفة. الآن بدأت أتعب وأفكر في كتابة سيرتي الذاتية لا لأنصح الآخرين، فالحياة لا تتشابه، بل لأقول إني مررت من هنا”.
فنون الكتابة
نظم واسيني الشعر ولكنه يصف نفسه دوماً بالشاعر الفاشل، فقد عرف مبكرا كما يروي أنه ليس شاعراً، ويروي عن أستاذه قائلاً: “كان هنالك أستاذ عراقي في السبعينيات يدرسني وكان يقول لي يا واسيني انت تقمع قصصك، هي تريد النفس الطويل وأنت تريد أن توصل بها للنهاية، ونصحني أن أكتب الرواية وكان كلامه حقيقيا”.
وعن علاقاته بالفنون، يحكي عن ارتباطه بالموسيقى واللوحات، فمثلا في “أصابع لوليتا” تجد القصة تدور حول لوحة فنية لفنان فرنسي من القرن السادس عشر إسمه جورج لا تور وهي لوحة أثارت الكثير من الجدل ورواية أشباح القدس؛ وهي رواية تدور حول فنانة فلسطينية تعيش العلاقة بالفن علاقة تطفي على النص الروائي نوعا من الشعر ولكن يجب على الشخص الكاتب أن يحذر حتي لا تتحول الرواية إلى قصة لوحة أو قصة مقطوعة موسيقية أو قصة نحت مثلا ويجب أن تظل ضمن نص سياق روائي وفني.
حصل في سنة ١٠٠٢ على جائزة الرواية الجزائرية على مجمل أعماله، وفي سنة ٥٠٠٢ على جائزة قطر العالمية للرواية عن روايته “سراب الشرق”، وفي سنة ٧٠٠٢ على جائزة الشيخ زايد للآداب، عن روايته “كتاب الأمير”، وفي سنة ٨٠٠٢ على جائزة الكتاب الذهبي عن روايته “أشباح القدس”.