-
هاشتاغاتٌ مستوردة تُقابلها مناعة شعبية ووعي سيادي راسخ
-
حين يفشل المخزن في إخماد غضب شعبه… يُفتّش عن فتنة وراء الحدود
يبدو أن المخزن المغربي، وقد ضاقت به شوارع الرباط وطنجة وأكادير، قرّر أن يفتح لنفسه “نافذة وهمية” على الجزائر… علّه يتنفس قليلًا خارج دخان غضب شبابه. فبعد أن غصّت مملكته باحتجاجات “جيل زد 212” المندّدة بغلاء المعيشة وسوء الخدمات، لجأ إلى حيلة قديمة بوجهٍ رقميٍّ جديد: تصدير الأزمة إلى الخارج، وإيهام العالم بأن الجار الشرقي مقبلٌ على “حراك شبابي مماثل”. مشهدٌ – لا يثير الخوف بقدر ما يثير السخرية – يتوقع منه أن جزائر اليوم تنال منها محاولات بائسة ينفذها ذباب إلكتروني.
لم يكن ظهور ما يسمى بـ”جيل زد 213″ في الفضاء الرقمي الجزائري سوى نسخةٍ رديئة من سيناريو مغربي فاشل، حاول من خلاله المخزن أن يزرع بذور فتنةٍ في أرضٍ يعرف تمامًا أنها لا تُروى من الخارج. فالمواقع الإخبارية المغربية سارعت إلى الترويج لما أسمته “حراكًا شبابيًا جزائريًا وشيكًا”، مستندة إلى تغريداتٍ مجهولة المصدر ومنشوراتٍ على حساباتٍ لا يتجاوز عمرها ساعات. وفي كل مرة، كانت العناوين تُصاغ بنفس القالب: “الجزائر تستعد لحراك جيل زد”، في محاولةٍ لتسويق فكرة أن العدوى الاجتماعية باتت على الأبواب.
وما يجعل هذه المزاعم أكثر سخرية، هو أن المخزن الذي لم يستطع احتواء “جيل زد 212” في شوارعه، يُصرّ اليوم على تصدير النموذج نحو الجزائر، وكأنها سلعة دعائية أو مشروع تسويقي! فجيل المغرب خرج احتجاجًا على الفقر والتهميش والبطالة، ووجد نفسه أمام الهراوات والدّعس في الشوارع، بينما يُراد للجزائري أن يثور ضد من رفع له الأجور ووفّر له منح بطالة وجامعة وسفر وغيرها. إنها محاولة يائسة لإعادة تدوير الأزمة المغربية في قالب جزائري، بوجهٍ شبابيٍّ مصطنع، وهاشتاغٍ لا يحمل من الحقيقة سوى رائحة الفبركة.
وإذا كانت الأكاذيب قد تجد في البداية من يروّجها، فإنها لا تصمد طويلًا أمام الحقيقة، خصوصًا حين يكون الخداع بهذه الركاكة، والفبركة بهذا الغباء. فما إن وُضعت هذه المزاعم تحت مجهر التحقق، حتى انهار البناء الوهمي الذي حاولت الرباط تشييده بتغريدةٍ وصورة رمزية.
بالأدلة… فضح الفبركة والتضليل
كشفت عمليات تحققٍ رقمية قادها صحفيون وخبراء في التتبع الإلكتروني أن الحملة الدعائية حول “جيل زد 213” لم تكن سوى عملية تضليلٍ منسّقة انطلقت من المغرب. فالحسابات التي روّجت للوسم على منصة “إكس” أُنشئت قبل ساعاتٍ فقط من إطلاق الحملة، وبعضها بلا متابعين حقيقيين، مما يعكس طبيعتها المصطنعة. والأسوأ من ذلك، أن العديد منها كان يتابع صفحاتٍ مغربية معروفة بانخراطها في حملات التشويه ضد الجزائر، وهو ما يجعل مصدرها واضحًا كالشمس. وفي “فيسبوك”، ظهرت مجموعة واحدة فقط تحت الاسم نفسه، أنشئت يوم 29 سبتمبر، وتضم خليطًا من الذباب الإلكتروني المغربي وأسماء مستعارة تتحدث بلهجةٍ غريبة عن اللسان الجزائري.
ولم تتوقف الفبركة عند النصوص، وامتدت إلى الصور الرمزية، حيث استُخدمت وجوهٌ أنشأها الذكاء الاصطناعي، في محاولةٍ بدائية لإثبات الهوية المزعومة. لكن هذا “الذكاء الاصطناعي المغربي” نسي أن الوعي الجزائري لا يُخدع، فسرعان ما اكتُشفت المسرحية وسقطت فصولها أمام أول عملية تحقق. لقد تحوّل ما أرادوه “حراكًا شبابيًا جزائريًا” إلى مادةٍ للتندّر والسخرية، تُضاف إلى سجلّ طويل من المحاولات الفاشلة لتقليد وعي شعبٍ لا يُستنسخ.
تفاعل كبير للجزائريين… لكن بالسخرية
ما إن بدأت الحسابات المغربية في الترويج لما سُمّي “حراك جيل زد الجزائري”، حتى تحوّل المشهد في الفضاء الرقمي إلى مهرجانٍ من السخرية والتنكيت. فقد استقبل الجزائريون هذه الدعوات المفبركة لا بالاستنفار، بل بالضحك، وبدأت الردود تتوالى بتغريداتٍ ومنشوراتٍ تُقارن بين واقعين لا يلتقيان: جزائرٌ ترفع الأجور وتمنح الإعانات وتُنجز مشاريع سكنٍ ومناطق صناعية، ومغربٌ يطارد شبابه في الشوارع ويُلاحقهم بسيارات الدرك بدل فرص العمل.
وتحوّل وسم “GenZ213” بسرعة إلى فضيحةٍ رقمية، إذ لم يستطع الذباب المخزني مجاراة سخرية الجزائريين ولا سرعة بديهتهم، فكل محاولةٍ للتمويه كانت تُقابل بردٍّ شعبيٍّ لاذعٍ يفضحها بأسلوبٍ ساخرٍ وبسيط.
بين وبين… لامجال للمقارنة
وبينما يلهث الإعلام المغربي خلف شعاراتٍ براقة عن “التحول الكبير” و”النهضة الاقتصادية”، يعيش المواطن المغربي واقعًا مريرًا تتحدث عنه الشوارع قبل التقارير: بطالة خانقة، وغلاء فاحش، ومستشفيات عاجزة، ومدارس مكتظة. في المقابل، يعلم الجزائريون أن حالهم ليس مثالي لكنهم في الوقت نفسه يعلمون أن بلادهم تبني إصلاحاتها على أسسٍ واقعيةٍ ملموسة: زياداتٌ متتالية في الأجور، ومنحة بطالةٍ تُعدّ سابقة في المنطقة، ومشاريع سكنية عملاقة تُسلَّم بانتظام، فضلًا عن فتح مجالات الاستثمار والتصنيع المحلي في مختلف القطاعات. إنها مفارقة مؤلمة بين دولةٍ ترفع شعاراتٍ بلا مضمون، وأخرى ترفع مستوى المعيشة دون ضجيج.
ولعلّ أكثر ما يُثير السخرية هو هذا التناقض الفاضح بين “الواقع المغربي” و”روايته الرسمية”، إذ تصوّر الرباط نفسها واحة استقرارٍ وازدهار، بينما يتجمّع شبابها الغاضب في الشوارع مطالبين بالدواء والتعليم والكرامة. على النقيض، لم يكن على الذباب الإلكتروني سوى أن ينظر حوله ليدرك أن تصدير الأزمة إلى الجزائر عبثٌ خالص: فالشعب الجزائري يرى بأمّ عينه كيف تحاول حكومته بناء اقتصاده تدريجيًا وتحسن من حالته الاجتماعية شهرا بعدا شهر.
عندما تعجز الرباط عن إخماد غضبها… تُصدّره للغير
الحملة المفبركة حول ما يسمى بـ”جيل زد 213″ ما هي سوى محاولة بائسة لإخماد نيرانٍ تشتعل في بيتٍ آخر. غضبٌ شبابيٌّ حقيقيٌّ كشف هشاشة الخطاب الرسمي المغربي، وفضح أكذوبة “النموذج التنموي الجديد”، بعدما طالب المغاربة بما هو بديهي: مستشفى يليق بكرامتهم، ومدرسة تُعلّم أبناءهم، وفرصة عمل تحفظ ماء الوجه. وإزاء هذا الإحراج الداخلي، لم يجد المخزن من وسيلةٍ لتخفيف الضغط سوى تصدير الأزمة شرقًا، وصناعة “هاشتاغاتٍ جزائرية” تُلهي الرأي العام عن صور الدهس والاعتقالات التي ملأت شاشات العالم.
لكن عبث “المرآة المعكوسة” الذي يمارسه الإعلام المغربي صار مكشوفًا أكثر من أي وقت مضى. فحين يعجز عن مواجهة غضب شعبه، يحاول أن يقنعه بأن الجميع غاضب، وأن الجزائر أيضًا تعيش على صفيحٍ ساخن. غير أن الواقع أبى إلا أن يردّ عليه بسخريةٍ موجعة: الشوارع المغربية تملؤها أصوات الاحتجاج، بينما تملؤها في الجزائر أصوات ورشات البناء.
وفي نهاية المطاف، تبقى هذه الحملة مثالًا صارخًا على الحرب الرقمية الناعمة التي تستهدف الجزائر، عبر بثّ الإشاعات وتزييف الوعي وصناعة الأزمات من الفراغ. لكنها حربٌ خاسرة قبل أن تبدأ، لأن من يواجهها شعبٌ متماسك الجبهة، متجذر في هويته، واثق في دولته، وواعٍ بما يُحاك ضده من وراء الحدود. وإن كان الذباب الإلكتروني المغربي قد حاول التحليق فوق الجزائر، فإنه اصطدم بجدار الوعي الصلب، ليعود إلى مربّعه الأول… في سلة المهملات التي وُلد منها.