-
لا حل خارج إطار الأمم المتحدة.. ولا تسوية من دون تقرير المصير
-
أي قراءة أممية للأزمة لا يمكن أن تتجاهل الثبات الجزائري ولا عمق الشرعية الدولية
-
حين تُمارَس محاولات الالتفاف وتُسوَّق حلول الأمر الواقع.. الجزائر تعيد تثبيت البوصلة
حلّ المبعوث الأممي، ستافان دي ميستورا، بالجزائر حاملا معه ثقل التحضير لتقرير مرتقب أمام مجلس الأمن في أكتوبر المقبل.
الزيارة تأتي في سياق دبلوماسي مكثّف يرسم ملامح ما سيعرض على أنظار المجلس حول واحدة من أقدم قضايا تصفية الاستعمار في العالم. وبينما تتأهب العواصم لصوت نيويورك، أعادت الجزائر على لسان وزير خارجيتها أحمد عطاف، تثبيت مبدأها الثابت: لا حل خارج الشرعية الأممية، ولا بديل عن حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره. زيارة المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا إلى الجزائر تندرج في سياق سباق دبلوماسي يسبق الموعد المرتقب لمجلس الأمن في أكتوبر المقبل. فالتحضير للتقرير الذي سيعرض أمام أعضاء المجلس يجعل من كل محطة في جولة دي ميستورا ذات وزن خاص، خصوصا حين تكون الجزائر المعنية الأولى بالملف بحكم موقعها الجغرافي والسياسي ودورها التاريخي في دعم الشعب الصحراوي. التوقيت هنا بالغ الأهمية. فالمنطقة تعيش على وقع ضغوط متزايدة من أطراف تسعى لفرض حلول الأمر الواقع، فيما تصر الأمم المتحدة على التمسك بمسار التسوية الأممي. وعليه، فإن زيارة دي ميستورا إلى الجزائر تمثل استمزاجا لموقف فاعل إقليمي مؤثر، قبل صياغة التقرير النهائي الذي سيُرفع إلى مجلس الأمن. هذا ما يجعل الزيارة مختلفة عن سابقاتها، إذ تتحول إلى حلقة أساسية في مشهد دولي يترقب المخرجات. ومن جهة أخرى، تعكس الزيارة إدراك المبعوث الشخصي بأن أي مقاربة جدية للقضية لا يمكن أن تتجاهل الجزائر. فوجودها هو جزء من معادلة الحل. ولذلك حرص دي ميستورا على الإنصات إلى الموقف الجزائري مباشرة قبل موعد أكتوبر، في إشارة إلى وزن هذا الموقف في ميزان الأمم المتحدة. بهذا المعنى، تصبح الزيارة مقدمة تقريرية بامتياز، هدفها رسم ملامح التوجه الأممي القادم، وجمع عناصر القراءة التي ستوضع بين أيدي أعضاء المجلس. وكل ما يُقال اليوم في الجزائر سيجد صداه في قاعة مجلس الأمن، ما يجعل من الزيارة حدثا استراتيجيا يتجاوز البعد الدبلوماسي التقليدي.
الجزائر وتجديد دعمها لجهود الأمم المتحدة
في لقائه مع ستافان دي ميستورا، حرص وزير الشؤون الخارجية أحمد عطاف على إعادة التأكيد بأن موقف الجزائر لم يتغير قيد أنملة: الأمم المتحدة هي الإطار الوحيد الشرعي للحل، وأي محاولة لتجاوزها أو القفز على قراراتها مصيرها الفشل. بهذا، وضعت الجزائر حدا لأي لبس أو تأويل قد يحاول البعض توظيفه لإضعاف المسار الأممي. هذا الموقف ينسجم مع العقيدة الدبلوماسية الجزائرية التي رافقت القضية الصحراوية منذ بدايتها. فكما دعمت الجزائر سابقا جهود الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، فهي تجدد اليوم دعمها الكامل لمبعوثه الشخصي، وتمنحه الثقة اللازمة للمضي في مهمته الشاقة. وبذلك، تبعث الجزائر رسالة مزدوجة: دعم الرجل والولاية الموكلة له، وتأكيد أن الحل يجب أن يُبنى على أرضية الشرعية الدولية وحدها. لقد شدد عطاف في هذا اللقاء على أن الشرعية الأممية هي الضمانة الحقيقية لإيجاد حل عادل ودائم ونهائي. فالجزائر، تدرك أن أي حل خارج مظلة الأمم المتحدة لن يكتب له النجاح، بل سيعيد إنتاج الأزمة في صور مختلفة. تجديد الدعم الجزائري لجهود دي ميستورا يعكس قناعة راسخة بأن المبعوث الأممي هو أداة لتجسيد الإرادة الجماعية للمجتمع الدولي. وكلما حظي بدعم الأطراف المؤمنة بالشرعية، ازدادت حظوظ الدفع نحو مسار تفاوضي جدي يفضي إلى تسوية تاريخية للقضية الصحراوية.
مجلس الأمن على موعد مع تقرير جديد
شهر أكتوبر المقبل سيكون محطة حاسمة في مسار قضية الصحراء الغربية، حيث يُنتظر أن يقدّم ستافان دي ميستورا تقريره أمام مجلس الأمن. هذا التقرير سيحدد ملامح النقاش داخل المجلس ويؤثر في صياغة القرار الأممي الذي سيُتخذ بشأن تمديد ولاية بعثة “المينورسو” وتحديد آفاق العملية السياسية .الجزائر، بقراءتها الواقعية للمشهد، تدرك أن اللحظة حساسة. فالمجلس ينعقد في ظل استمرار حالة الجمود السياسي، وضغوط أطراف تحاول الدفع نحو حلول جزئية أو التفاف على حق تقرير المصير. لذلك جاءت زيارة دي ميستورا للجزائر لتستبق النقاشات، وتضع بين يديه موقفا واضحا يعبّر عن تمسك الجزائر بالحل الأممي وبالشرعية الدولية كإطار وحيد لتصفية الاستعمار في الصحراء الغربية. التقرير المنتظر لن ينفصل عن أجواء التوتر الإقليمي والدولي. فالصراع في المنطقة المغاربية بات جزءا من حسابات أوسع، مرتبطة بالتحالفات الجيوسياسية وموازين القوى. لكن ورغم كل هذه التعقيدات، يبقى مجلس الأمن ملزما بالنظر إلى القضية من زاويتها الجوهرية: حق الشعب الصحراوي غير القابل للتصرف أو التقادم في تقرير مصيره. وهنا يبرز ثقل الموقف الجزائري كصوت ثابت لا ينحرف مع التحولات. أهمية تقرير أكتوبر تكمن في أنه سيشكل قاعدة النقاش بين الدول الأعضاء، وسيكشف مدى استعداد المجتمع الدولي للانتقال من دائرة إدارة الأزمة إلى دائرة البحث عن حل فعلي. والجزائر، من خلال لقائها بالمبعوث الأممي، تريد أن تضمن أن صوت الشرعية والحق سيكون حاضرا بقوة في ذلك النقاش، مهما حاولت بعض الأطراف حجب هذا الصوت أو تمييعه.
الموقف الجزائري.. الثبات على مبدأ تصفية الاستعمار
ومنذ بداية النزاع في الصحراء الغربية، لم يتغير موقف الجزائر قيد أنملة: القضية ليست نزاعا حدوديا ولا خلافا ثنائيا، بل ملف تصفية استعمار مكتمل الأركان. هذا ما جدده وزير الخارجية أحمد عطاف خلال لقائه بستافان دي ميستورا، حين أكد أن الحل العادل والدائم لا يمكن أن يتحقق إلا عبر تمكين الشعب الصحراوي من ممارسة حقه في تقرير المصير، حق غير قابل للتصرف أو التقادم وفق قرارات الأمم المتحدة. هذا الثبات يعكس عمق العقيدة الدبلوماسية الجزائرية، المستمدة من تجربتها التاريخية مع الاستعمار. فالجزائر التي نالت استقلالها بفضل تمسكها بحقها في تقرير المصير، لا يمكنها أن تتبنى خطابا مخالفا حين يتعلق الأمر بجيرانها. بل ترى أن أي تنازل عن هذا المبدأ سيكون تناقضا مع ذاكرتها التاريخية وخرقا لالتزامها الأخلاقي تجاه قضايا التحرر في العالم. الموقف الجزائري هنا لا يستند فقط إلى البعد الأخلاقي أو التاريخي، بل أيضا إلى الشرعية القانونية الدولية. فقرارات الأمم المتحدة، ووجود بعثة المينورسو نفسها، كلها أدلة دامغة على أن المجتمع الدولي يعترف بأن الصحراء الغربية حالة تصفية استعمار لم تُستكمل بعد. ومن هذا المنطلق، تعتبر الجزائر أن أي حل يتجاوز هذا الإطار سيكون التفافا خطيرا على الشرعية. بهذا، يظل الموقف الجزائري صخرة ثابتة في وجه محاولات المساومة والالتفاف. فمهما تغيرت السياقات الإقليمية أو الدولية، يبقى المبدأ واضحا: لا بديل عن حق تقرير المصير، ولا شرعية لأي تسوية لا تعكس إرادة الشعب الصحراوي الحرة. إنه موقف يؤسس لخط دفاع دائم عن القيم الأممية في وجه كل محاولات الالتفاف.
المينورسو.. شهادة على أن الصحراء آخر مستعمرة إفريقية
حين يشيد وزير الخارجية أحمد عطاف بدور بعثة الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو)، فهو يتحدث عن رمز حي لحقيقة ثابتة: أن الصحراء الغربية آخر مستعمرة في القارة الإفريقية. وجود هذه البعثة منذ 1991 يشكل في حد ذاته اعترافا من المجموعة الدولية بأن النزاع لم يُحسم بعد، وأن الحل لا يمكن أن يكتمل إلا عبر استفتاء تقرير المصير. المينورسو لم تكن مجرد آلية لمراقبة وقف إطلاق النار، بل تمثل التزاما أمميا واضحا بإنهاء الاستعمار في المنطقة. ولعل تمسك الجزائر بالإشادة بها يعكس رغبتها في تذكير العالم بأن الزمن لا يسقط الحقوق، وأن بقاء البعثة قائم على مبدأ تصفية الاستعمار لا على تسويات جزئية أو حلول الأمر الواقع. إن دلالة المينورسو تتجاوز الجانب الإجرائي لتصبح ورقة قانونية وسياسية تعزز الموقف الصحراوي. فهي بمثابة شهادة دولية متجددة على أن الصحراء الغربية ليست نزاعا داخليا مغربيا كما يحاول البعض تصويرها، بل قضية مدرجة في جدول أعمال الأمم المتحدة كملف استعماري غير مكتمل. وهنا يكمن سر تمسك الجزائر بالبعثة باعتبارها دليلا دامغا على الشرعية الدولية. بهذا، تختتم زيارة دي ميستورا برسالة واضحة: الأمم المتحدة لا تزال معنية بالملف، والمجتمع الدولي لا يستطيع إنكار أن الصحراء الغربية واحدة من قضايا تصفية الاستعمار التي لم تجد طريقها بعد إلى الحل. والجزائر، بتذكيرها بهذه الحقيقة، تعيد تثبيت البوصلة في لحظة يحاول البعض حرفها، لتقول بوضوح إن البعثة الأممية هي الدليل الأكبر على أن القضية لم تنتهِ بعد. زيارة ستافان دي ميستورا إلى الجزائر محطة مفصلية سبقت اجتماعًا حاسمًا في مجلس الأمن. فالجزائر، من خلال وزير خارجيتها أحمد عطاف، أعادت تثبيت معادلة واضحة: لا حل خارج إطار الأمم المتحدة، ولا تسوية من دون تقرير المصير. هذه الرسالة، التي جاءت في لحظة تزداد فيها الضغوط ومحاولات الالتفاف، وضعت أسسا صلبة لتقرير أكتوبر المقبل، وأكدت أن أي قراءة أممية للأزمة لا يمكن أن تتجاهل الثبات الجزائري ولا عمق الشرعية الدولية. إن مجلس الأمن على موعد مع تقرير جديد، لكنه سيكون هذه المرة محمّلا بمواقف صريحة عبّرت عنها الجزائر، لتذكّر العالم بأن الصحراء الغربية ليست نزاعًا إقليميًا ثانويا، بل قضية تصفية استعمار مؤجلة منذ عقود. وبينما يحاول البعض تسويق حلول الأمر الواقع، تظل الجزائر متمسكة بمبدأها التاريخي: الحقوق لا تسقط بالتقادم، والشرعية الأممية هي الطريق الوحيد لإنهاء آخر استعمار في إفريقيا.



