دور العلم في بناء المجتمعات

دور العلم في بناء المجتمعات

العلم أشرف شيء في هذا الوجود، وهو أنفس ما تستعمل فيه الأعمار والساعات، وأولى ما أنفقت فيه نفائس الأموال والأوقات، وشرع في إدراكه والتمكن فيه أصحاب الأنفس الزاكيات، وبادر إلى الاهتمام به المسارعون إلى الخيرات، وسابق إلى التحلي به مستبقوا المكرمات. فالعلم دليل الإيمان؛ ولولا العلم ما عرف الناس ربهم ولا أسماءه ولا صفاته، ولا عرفوا كيف يعبدونه.. فبالعلم يعرف الله وبه يطاع الله، وبه يعبد، وبه يوحد، وبه يمجد، وبه يتورع، وبه توصل الأرحام، و به يعرف الحلال من الحرام، وهو إمام والعمل تابعه، يلهمه السعداء، ويحرمه الأشقياء. قال معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه: “تعلموا العلم، فإن تعلُّمَه لله خشية، وطلبه عبادة، ومدارستَه تسبيح، والبحثَ عنه جهاده، وتعليمَه لمن لا يعلمه صدقةٌ، وبذلَه لأهله قُربة، وهو الأنيس في الوحشة، والصاحب في الخلوة”. وأهل العلم هم أشرف الناس في هذا الوجود، وهم أرفعهم قدرا في الآخرة إذا صدقت نواياهم. رفعهم الله بالعلم في الدنيا وفي الآخرة كما قال سبحانه: “يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ” ‏‏المجادلة‏:‏11‏. وفرق بينهم وبين أهل الجهل فقال: “قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ” الزمر:9. وقال جل في علاه: “إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ” فاطر:28.

وقد جاءت نصوص الشريعة تدعو إلي العلم وتأمر به وتثني على أهله: فعن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة”. رواه مسلم. وعن أبى أمامة رضي الله عنه قال: ذكر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلان: أحدهما: عابد، والآخر: عالم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “فضل العالم على العابد كفضلى على أدناكم”. وعن أبي الدرداء قال صلى الله عليه وسلم: “إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضى بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء هم ورثة الأنبياء”. وقال: “… وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر”. رواهما أحمد، وأبو داود، والترمذي. وإنما ذكرنا ما ذكرنا من فضل العلم وأهله ومكانه وقدره من أجل أن نخلص إلى نقطة هامة هي زبدة هذه الكلمة وهي أن العلم هو أساس بناء الأوطان، وتقدم البلدان، وعليه مدار سعادة وفلاح الإنسان.. وكل بلد لا يعتمد العلم سبيلا لرفعته ونهضته وتقدمه هو بلد فاشل جهل ضائع، وهو بلد مهزوم متخلف جائع. وليس المقصودُ بالعلمِ هنا العلمَ الشرعي الديني فقط، وإنما كلُّ علمٍ نافعٍ مفيدٍ يسهمُ في التقدمِ الحضاري والإثراءِ المعرفي، ويقوي ويعزز قدرةَ المجتمع.. سواء كان من العلوم الدينية أو العلوم المادية التجريبية كالطب والهندسة والاقتصاد والتجارة، أو العلوم الإنسانية والاجتماعية. وقد جعل الله اكتساب هذه العلوم من الواجبات الكفائية التي تطالب الأمة بها في مجموعها. فبالعلم نصنع ما نلبس، ونزرع ما نأكل، وننتج علاجنا ودواءنا، كذلك به نصنع سلاحنا الذي نقاتل به عدونا، وندفع به عن أنفسنا.  والدول التي تسيطر على العالم وتتحكم فيه إنما تسيطر عليه بالعلم والتكنولوجيا والتقدم. فبالعلم بنت هذه الدول قوتها الاقتصادية، وأنتجت من الحاجيات ما لا يستغني عنه الآخرون.. وبالعلم صنعت رفاهيتها الاجتماعية فعاشت شعوبها في رخاء وسلام، وسعادة واطمئنان.. وبالعلم بنت قوتها الحربية والعسكرية التي أرعبت بها الناس وأرغمت أنوف أعدائها، ودافعت عن مصالحها.

 

من موقع الالوكة الإسلامي