دعا الجميع إلى الانخراط فيه لـمناقشة كل الانشغالات المتعلقة بالاستحقاق الرئاسي المُقبل… بن صالح: الحوار تقوده شخصيات وطنية محايدة لا تنتمي للدولة تجنبا لأي تأويل… الدولة مصممة على مواصلة مسار التطهير دون هوادة

دعا الجميع إلى الانخراط فيه لـمناقشة كل الانشغالات المتعلقة بالاستحقاق الرئاسي المُقبل… بن صالح: الحوار تقوده شخصيات وطنية محايدة لا تنتمي للدولة تجنبا لأي تأويل… الدولة مصممة على مواصلة مسار التطهير دون هوادة

 

القرارات المُتَّخذة إزاء رؤساء الشركات المعنية لن تمس بحقوق العمال

 

الجزائر – أكد رئيس الدولة عبد القادر بن صالح أن الدولة الجزائرية مصممة على تنفيذِ مسار التطهير بلا هوادةٍ وفقًا لقوانين الجمهورية، مع احترام مبدأ قرينة البراءة واتخاذ جميع التدابير اللازمة للتأكد من أن القرارات المتخذة إزاء رؤساء الشركات المعنية لن تمس بحقوق العمال ولن تُلحِق الضرَرَ بالاقتصاد الوطني. وأعلن عن إطلاقه حوارا مع الجميع تحت قيادة شخصيات وطنية محايدة لا تنتمي للدولة، بما فيها المؤسسة العسكرية، وذلك تجنبا لأي تأويل.

وفي خطابه للأمة بمناسبة عيد الاستقلال الذي وصفه بالموعد الغالي الذي يمجّد ذكرى تحرير الوطن من استعمار استيطاني، أراد بن صالح كما جاء في خطابه تقييم الوضع الذي تعيشُه البلاد، سيما كما قال أن الشعب أخذ على عاتقه مسؤولية التأثير في مجرى التاريخ، للمطالبة بصوت عال وبطريقة سلمية بتغيير منظومة الحكم وولوج عهد جديد قائم على احترام مبادئ الديمقراطية وسيادة القانون والعدالة الاجتماعية، مؤكدا أن هذا التطلُع المشروع حظي بتجاوب كبير، وهو في صميم انشغالات السلطات العمومية، وأضحى من أولى اهتماماتها.

وبهذه المناسبة ولأول مرة تحدث بن صالح عن ظاهرة مكافحة الفساد التي انطلقت بسرعة قصوى، مؤكدا أن عمليةَ التطهير الواسعة لأجهزة الدولة وتجديدِ تأطيرها تتزامن مع مكافحة صارمة لآفة الفساد وتبديد الأموال العامة، تضطلعُ بها بجِدِيّة عدالةٌ تمارس كامل مهامها وصلاحياتها، موضحا أن الدولة تبقى في الاستماع لمطالب وتطلعات شعبنا العميقة، وهي مصممة حقاً على تنفيذِ مسار التطهير هذا بلا هوادةٍ وفقًا لقوانين الجمهورية، مع احترام مبدأ قرينة البراءة واتخاذ جميع التدابير اللازمة للتأكد من أن القرارات المُتخذة إزاء رؤساء الشركات المعنية لن تمس بحقوق العمال ولن تُلحق الضرَرَ بالاقتصاد الوطني.

كما جدد رئيس الدولة إعجابه بالنضج والوعي الذي تميز به الشعب في هذه المرحلة الحساسة، عبر تصرفه الحضاري المثالي وضبط النفس الذي أظهره المواطنون ومصالح الشرطة والأمن، الأمر الذي مكَّنَ من الحفاظ على الطابع السلمي للمظاهرات، وهو يشكل بكل تأكيد رصيداً حضارياً.

وفي نفس السياق دعا إلى ضمان احترام وحماية الحقوق الأساسية والحريات المكرسة دستوريا، لاسيما الحق في التعبير والحق في التظاهر، في ظل احترام الآخر وفي كنف الامتثال التام لقوانين الجمهورية، كما يتعين عدم توظيف هذه المبادئ للمساس باستقرار البلاد ووحدتها الوطنية.

 

الانتخابات الرئاسية هي الحل الواقعي المعقول للأزمة

كما شدد بن صالح على ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية بكل موضوعية في كامل الحياد والشفافية، معتبرا أنه الحل الديمقراطي الوحيد والواقعي والمعقول، مبرزا أن رئيس الجمهورية المنتخَب بشكل ديمقراطي هو وحدهُ الذي سيتمتع بالثقة والشرعية اللازمتين وكذا بالصلاحيات الكاملة التي تمكنُه من توَلي تحقيق الرغبة العميقة في التغيير، وتلبية المطالب الشعبية المشروعة، والقيام بالإصلاحات الجذرية المنشودة، مضيفا أن الرئاسيات تُعتبر الخيار الوحيد القادر على منح الكلمة الأخيرة للشعب لاختيار، بكل سيادة وحرية وشفافية، الشخصية التي يرغبون في تكليفها بمهمة قيادة هذا التغيير الرامي إلى إرساء نظام جديد للحكامة، كما أنها كذلك السبيل الوحيد الذي يكفُلُ تجنب المقترحات المحفوفة بالمخاطر وإفشال المخططات المريبة التي تهدفُ إلى جر البلاد نحو الفراغ الدستوري، وتغييب دور الدولة والزجّ بها في دوامة الفوضى واللا استقرار، لذلك، كما قال، ينبغي علينا جميعًا العمل على توفير كافة ظروف التنظيم والرقابة والاستشراف التي ستحيط بهذه الانتخابات في جميع مراحلها، بدءا من مرحلتَيْ التحضير والتنظيم، وصولاً إلى مرحلة الإعلان عن النتائج، مشيرا إلى أن هذه المراحل ستحظى في إطار مسار الحوار بعناية خاصة ودقيقة من قِبل الجميع، وستكون نتاجًا لتوافق واسع مع الطبقة السياسية ومكونات المجتمع المدني والشخصيات السياسية الوطنية.

 

شخصيات وطنية مستقلة لإدارة الحوار مع الجميع

ومن أجل مناقشة هذه الظروف والترتيبات، دعا بن صالح مجددا جميع الفاعلين السياسيين الوطنيين وجميع مكونات الطبقة السياسية والشخصيات الوطنية المُخلصة، وكل الحساسيات المهيكلة للمجتمع المدني، للتعبئة من أجل تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي الوطني الهام باعتباره السبيل الوحيد الكفيل بضمان مستقبل آمن ومزدهر لبلدنا.

كما دعاهم إلى الانخراط في مسار الحوار الوطني الشامل الذي تعتزمُ الدولة إطلاقه لمناقشة كل الانشغالات المتعلقة بالاستحقاق الرئاسي المقبل، ومن ثمة تقديم إسهامهم في تنظيم هذا الاقتراع في مناخ ملؤه التفاهم والسكينة، مؤكدا أن هذا الحوار يعد أكثر من ضروري كونه الطريقة المثلى للتوصل إلى الصيغ التوافقية الضرورية حول مجمل المسائل المتصلة بالانتخابات الرئاسية، كما يُعدُّ هذا الحوار أمرًا مستعجلا يتعيّنُ على بلادنا اللجوء إليه وفي أسرع وقت ممكن لاستعادة سجيَّتها السياسية والمؤسساتية التي تمكنها من مواجهة التقلبات الاقتصادية والاجتماعية، وكذا التهديدات المحدقة بأمننا الوطني ضمن محيط إقليمي ودولي معقد. لهذه الاعتبارات وغيرها، يقول رئيس الدولة، أصبح من الضروري الآن وضع جميع الحسابات الثانوية والمطالب غير الواقعية التي من شأنها إطالة أمد الوضع الراهن ومحاولة الزج بالبلاد نحو الفراغ الدستوري، الذي هو مصدر الريبة وعدم الاستقرار.

وتابع أن مسار الحوار هذا، الذي سيتم إطلاقه من الآن، ستتم قيادته وتسييره بحرية وشفافية كاملة من قبل شخصيات وطنية مستقلة ذات مصداقية، وبلا انتماء حزبي أو طموح انتخابي شخصي. وتتمتعُ هذه الشخصيات بسلطة معنوية مؤكدة وتحظى بشرعية تاريخية أو سياسية أو مهنية تؤهلها لتحمل هذه المسؤولية النبيلة وتساعدها على حسن قيادة هذا الحوار. وفي هذا الصدد ولإبعاد أي تأويل أو سوء فهم، فإن الدولة بجميع مكوناتها، بما فيها المؤسسة العسكرية، لن تكون طرفا في هذا الحوار، وستلتزم بأقصى درجات الحياد طوال مراحل هذا المسار، وستكتفي فقط بوضع الوسائل المادية واللوجستية تحت تصرف الفريق المحاور، وسيكون للمشاركين في هذا الحوار حرية مناقشة كافة الشروط الواجب توفيرها لضمان مصداقية الاستحقاق الرئاسي المقبل، والتطرق إلى كل المناحي المتعلقة به، بما فيها مجريات الرزنامة الانتخابية، وكذا الميكانيزمات الخاصة بمراقبته والإشراف عليه.

ويكون هذا الحوار، حسب نفس المسؤول، شاملا قدر الإمكان، وسيكون بوسع فريق الشخصيات دعوة أي طرف يراه مفيدا لإنجاز مهمته وتحقيق الغرض من إنشائه، لاسيما الأحزاب السياسية وفعاليات المجتمع المدني والتنظيمات الاجتماعية المهنية والشخصيات الوطنية، بمن فيها الشخصيات المنبثقة عن الحركة الشعبية، قصد تدوين مواقفهم وآرائهم ومقترحاتهم، وسيركزُ هذا الحوار على هدفه الاستراتيجي الأوحد ألا وهو تنظيم الانتخابات، كما سيدور الحوار أيضا حول كيفية تسيير هذه السلطة أو الهيئة وتحديد مهامها وصلاحياتها وطريقة تنظيمها وسيرها وتركيبتها، وفي اختيار الشخصيات التوافقية التي ستُسيّرها.

وبما أن هذه السلطة قد تتولى صلاحيات الإدارة العمومية في المجال الانتخابي والتدخل في كامل ربوع التراب الوطني، فسيكون لها ممثلون على مستوى الولايات والبلديات والمقاطعات الانتخابية لجاليتنا بالخارج، كما سيكون لها أن تُسَيِّر بنفسها ميزانيتها الخاصة، إضافة إلى الاعتمادات الأخرى التي قد تخصصها لها الدولة، وسينجرُ عن قيام هذه السلطة لِزامًا اقتراح مشروع قانون خاص بالموضوع، وكنتيجة لذلك سيتم أيضا تكييف النظام التشريعي والتنظيمي القائم، لاسيما قانون الانتخابات، الذي يحتاج بالتأكيد إلى مراجعة قصد توفير الضمانات الكفيلة بتأمين شروط الحياد والشفافية والنزاهة المطلوبة.

وخلص رئيس الدولة إلى القول بأن الدولة، ومن خلال هذا العرض السياسي، مصممة على المضي قدما نحو إجراء التغيير الذي ينشده الشعب، واستجماع الشروط اللازمة لتجسيد هذا الهدف بشكل ممنهج.

د. محمد