بئس الدراما التي تنشر العادات السيئة.. وتبث السموم في عقول الشباب.. هكذا تحولت بعض الأعمال التي عرضت خلال شهر رمضان إلى منصات تدعو إلى الإدمان وتحض على التدخين، وتحرض على ممارسة مثل هذه السلوكيات التي تهدد شبابنا وتغتال مستقبل هذه الدولة.
مشاهد التدخين التي اجتاحت العديد من المسلسلات كانت لافتة وجاءت لتدق من جديد ناقوس الخطر حول تزايد ظاهرة التدخين في مصر وارتفاع نسبة تعاطي المخدرات بين الشباب.
ومن المفارقات أن يتواكب عرض هذه المسلسلات بالتزامن مع مناقشات مجلس النواب لقضية تعاطي المخدرات بين الموظفين وتشديده على تغليظ عقوبة التعاطي إلى حد الفصل من الوظيفة، وكان يجب أن تشدد العقوبة أيضا على مروجي التدخين سواء بالإعلان عنها أو تقديمها في أعمال درامية.
بيانات تحليل مشاهد التدخين والمخدرات، التي قام بها المرصد الإعلامي لصندوق مكافحة الإدمان على مسلسلات رمضان أكدت أن بعض الأعمال الدرامية تضمنت بعض المشاهد التعليمية لطرق تعاطي المواد المخدرة.
أرقام صادمة
وكشفت جمعية مكافحة التدخين والدرن وأمراض الصدر بالتعاون مع مكتب منظمة الصحة العالمية في مصر انتهاكات الدراما التليفزيونية والبرامج الترفيهية للإعلان عن منتجات التبغ خلال شهر رمضان الجاري، لافتة إلى أن هناك أدوات كثيرة يستطيع الممثل من خلالها إيصال فكرته دون اللجوء إلى التدخين. وجاءت نتائج رصد مشاهد التدخين في دراما الأسبوع الأول فقط 268 مشهدا، وبلغت مدتها 7 ساعات ونصف الساعة .
وجاء مسلسل “ملوك الجدعنة” في المقدمة، حيث انفرد بأكثر من ساعة و67 دقيقة و14 ثانية في 59 مشهدا، يليه مسلسل “كله بالحب” بـ 36 مشهدا، ثم مسلسل “ضد الكسر” و”لحم غزال” بـ 33 مشهدا، ثم مسلسل “اللي مالوش كبير” 31 مشهدا. وتعمدت بعض المشاهد التركيز على علبة السجائر لبيان نوعها، كما شملت المشاهد كل أنواع التدخين مثل السجائر والشيشة والبايب والسيجار، إضافة إلى ظهور طرق التدخين الحديثة مثل السجائر الإلكترونية والتبغ المسخن والتي لا تقل خطورة عن التدخين التقليدي.
وأشارت جمعية مكافحة التدخين والدرن وأمراض الصدر إلى أنه لم يتطرق أي مسلسل إلى التوابع التي يسببها التدخين، وهو ما يفقد هذه الأعمال الفنية دورها الأساسي في التنوير والتوعية.
ويقول الدكتور وليد هندي أستاذ الصحة النفسية في حديثه لـ “بوابة الأهرام” إن الدراما هي حجر أساس لتشكيل شخصية الإنسان ووجدانه ورؤيته المستقبلية وتفكيره واتجاهاته النفسية وإقباله على المواقف الاجتماعية، وأن كل هذه المفاهيم يكتسبها الإنسان من الدراما التي يؤكد أنها ليست مجرد ترفيه أو ترويح عن النفس وحسب، وإنما ذات دور مهم في بناء الشخصية .
ويؤكد أن للدراما دورا كبيرا وفعالا في نقل المفاهيم وتلقيح الثقافات ورسم هوية الإنسان وأن ما تعرضه من مشاهد “غير ضرورية” للتدخين يؤثر في سلوك الشباب ويعيق خطط الدولة الهامة في تحقيق التنمية المستدامة قائلًا: “أرى الدراما الحالية أكثر خطرًا علي المجتمع المصري من المخدرات”.
تساؤلات عن الدور الرقابي؟
وانتقد الدكتور محمد سمير أستاذ علم الاجتماع السياسي هذا التوجه للدراما بالتمسك بمشاهد مفرطة للتدخين وتعاطي المخدرات واعتبره اتجاها معاديا لاتجاهات الحكومة التي تسعى لمكافحة الإدمان ومبادراتها الإعلانية التي تدعو للإقلاع عن التدخين .
ويؤكد أستاذ علم الاجتماع أن “الشاشة” وسيلة فعالة شديدة التأثير على الشباب وأن الدراما عندما تعرض مشاهد للتدخين والتعاطي تصبح شديدة الخطورة على المجتمع لأنها تقلل بذلك من فرص العلاج، حيث تزين السلوك وتجعله هدفًا لدى ضعاف النفوس من الشباب الذين يهوون التقليد خاصة في سن المراهقة قائلًا: “لا بد من منع المسلسلات والدراما التي تعرض مشاهد للتدخين والتعاطي لأنها تؤثر تأثيرا مباشرا في مكافحة جهود الدولة التي تسعى لعلاج الإدمان والإقلاع عن التدخين”.
ويتساءل أستاذ علم الاجتماع عن دور الرقابة محذرًا من استمرارية عرض هذه المشاهد، إذ تؤدي إلى مشكلات مجتمعية خطيرة، حيث لا يمكن لأي مجتمع يتطلع للتطور والتقدم أن ينال تطلعه هذا وهو يعاني قصورا بالبنية المجتمعية.