ربما لم يخطر ببال الطفلة يولاندا وهي تلهو في شوارع شبرا بالقاهرة، أنها ستصبح نجمة عالمية يتهافت على عرش قلبها العاشقون الذين ألهبتهم نار حبها وأوصلهم عشقهم المجنون للانتحار.
ولدت يولاندا في جانفي عام 1933 في حي شبرا الخيمة لعائلة إيطالية، وعاشت حياة صعبة بين عصبية والدها ووالدتها المحافظة التي فرضت عليها رقابة صارمة.
ما بين المدرسة والكنيسة أمضت طفولتها، وتعلمت فيما بعد العزف والغناء، وبعد وفاة والدها اضطرت بسبب ظروف المعيشة أن تأخذ دروسا في الطباعة لتعمل سكرتيرة على آلة كاتبة في شركة أدوية، لكن حلم النجومية كان يراودها.
عام 1951 شاركت في مسابقة ملكة جمال مصر دون معرفة والدتها، التي رفضت أن تظهر ابنتها في المسابقة عارية بملابس البحر، وفازت باللقب ونُشرت صورتها على أغلفة المجلات وشجعها اللقب على الحلم باحتراف التمثيل.
ظهرت في عدة أفلام مصرية بأدوار ثانوية منها “ارحم دموعي” و”الظلم حرام”، وكان آخر فيلم تظهر فيه قبل هجرتها إلى فرنسا عام 1954 “سيجارة وكأس”، لتعود بعد ذلك عام 1986 في فيلم ليوسف شاهين “اليوم السادس” الذي جسدت فيه دور فلاحة مصرية.
هاجرت إلى فرنسا وفشلت في دخول عالم التمثيل، وأقنعها الأصدقاء بالاهتمام بالغناء وكانت الانطلاقة.
واعتلت داليدا مسارح العالم وسحرت الجماهير بصوتها وجمال قوامها ورشاقتها وشعرها الذهبي، وشغلت صفحات الجرائد العالمية فأغنياتها بتسع لغات احتلت قوائم أفضل الأغاني حول العالم وكرمها الجنرال الفرنسي شارل ديغول بميدالية رئاسة الجمهورية، لموهبتها الغنائية المذهلة.
وهي أول مغنية على الإطلاق تكرّم بالحصول على أسطوانة بلاتينية وأخرى ماسية، بالإضافة لحصولها على 70 أسطوانة ذهبية والكثير من الأوسمة.
وأعطت داليدا الأمل للملايين حول العالم بأغانيها عن الحب وعاشت حياتها تبحث عنه في العديد من المحاولات.
بدأت بقصة حب مع زوجها الأول لوسيان موريس، ورغم أنّ حبهما كان حديث المجتمع، إلا أنّها شعرت بالحب تجاه الرسام جين سوبيسكي، وتركت زوجها من أجله، وحاول زوجها أن يعود إليها إلا أنّها رفضت، فقرر الانتحار وأطلق الرصاص على نفسه.
وانتحر جين سوبيسكي أيضا بإطلاق الرصاص على نفسه عام 1961.
ثم دخلت للمرة الثالثة في علاقة عاطفية مع شاب إيطالي يدعى لويجي تانكو، وكان مغنيا في بداية طريقه دعمته ليصبح نجما لكن الفشل طرق بابه بعد مشاركة بمهرجان سانت ريمو عام 1967 فانتحر بمسدسه في أحد الفنادق، وكانت داليدا أول من رأى جثته ممددة ومغطاة بالدماء، عندما ذهبت لتواسيه. بعدها حاولت داليدا الانتحار وفشلت وخضعت لعلاج نفسي لمدة عامين.
وأحبت داليدا شابا آخرا وأنهى حياته أيضا منتحرا وكان يصغرها بـ 12 عاما بعدما أسفرت علاقتهما عن حملها ثم إجهاضها مما أدى لإصابتها بالعقم، فضاعف ذلك من شعورها بالاكتئاب.
حياتها كانت أشبه بملحمة مأساوية منذ بدايتها، ظاهرها البهجة والنجومية وفي باطنها عذاب واكتئاب.
أما النهاية.. قررتها داليدا بكامل إرادتها ويأسها عام 1987.. دخلت حجرتها، أذابت كمية كبيرة من الحبوب المنومة في كأس خمر لتضمن سرعة تأثيرها، شربتها.. ولحقت بعاشقيها.
تركت داليدا إرثا فنيا فريدا ورسالة وداع من جملة واحدة تقول: “الحياة صارت لا تحتمل، سامحوني”، ليغلق الستار على قصة النجمة العالمية التي أطفأت بريقها بنوم أبدي.
ق/ث