على خطى رائد النهضة الجزائرية الحديثة، العلامة الشيخ عبد الحميد بن باديس، يتحدث الدكتور عبد الرزاق قسوم، رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، بعد مرور حوالي 89 سنة من نشأة الجمعية، بكثير من الأمل عن إمكانية مواصلة المسيرة الإصلاحية الضخمة التي أطلقها الرواد الأوائل حتى وإن اختلفت الظروف والبيئة والتحديات.
ذلك أن دور الجمعية كان حاسما في زمن المستعمر الفرنسي، بإحياء الثقافة العربية الإسلامية التي لحقتها عناصر الفرنسة والمسخ، وكان حاسما خلال ثورة التحرير، حين صنعت الزعامات العلمية التي ساندت الزعامات السياسية والثورية، وكان حاسما بعد الاستقلال، حين تنكبت الدولة الوطنية الحديثة الطريق بانتهاج الخط الاشتراكي، واستمر حاسما حتى في أحلك الظروف زمن البوتفليقية التي حاولت تدمير الإنسان الجزائري وسحق إنسانيته.
غير أن دور جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بعد سقوط ما يسميه الجزائريون بالعصابة إثر حراك شعبي عظيم، بات اليوم يشكل رمانة الميزان وصوت العقل الذي يجتمع حوله الجميع، ولعل في الدعوة الكريمة التي اختار لها الدكتور عبد الرزاق قسوم موقع “عربي21″ لإطلاقها، والخاصة بضرورة عودة ملتقيات الفكر الإسلامي الذي ظل ينعقد (بين 1968 إلى 1990) قبل أن يتم تعطيله لأسباب مجهولة، ما يدل على رغبة جامحة في تجاوز سنوات الظلام الفكري التي عاشتها الجزائر منذ انفجار العشرية السوداء، وما تلاها من حكم شمولي وفساد كبير.
ويكفي هنا التذكير بالأسماء والقامات الكبيرة في مجالات الفكر الإسلامي التي ظلت تحضر ملتقيات الفكر الإسلامي بالجزائر طوال 24 سنة متتالية، لندرك الحاجة الماسة لمثل هذا البعث الفكري. وهنا نذكر على سبيل المثال لا الحصر: مالك بن نبي، أحمد عروة، محمد متولي الشعراوي، الشيخ الغزالي، طه جابر العلواني، عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ، الشيخ القرضاوي، الشيخ الندوي، فهمي هويدي، الشيخ مصطفى الزرقا، الشيخ البوطي، رفقة بعض المستشرقين والحداثيين كالألمانية زيغريد هونكه، جاك أوستي، محمد أركون، رشاد خليفة، رجاء غارودي.
كما يتطرق اللقاء إلى بعض القضايا الفكرية الأخرى، المرتبطة بالدولة الإسلامية، وقضايا التجديد، وإنتاج الأفكار بين المشرق والمغرب العربيين، وكذا دور جمعية العلماء ماضيا وحاضرا في إنتاج الأفكار وتسيير القوافل الإغاثية للمستضعفين من المسلمين في العالم.
هل امتلكت جمعية العلماء المسلمين تصورا للدولة الإسلامية منذ النشأة على يد العلامة ابن باديس إلى اليوم، أم أنها ركزت فقط على الجوانب الإصلاحية؟
وقال قسوم في هذا الصدد:”لقد سبق أن رفعنا أصواتنا المطالبة بإعادة ملتقى الفكر الإسلامي الذي كان وساما علميا تعلقه الجزائر على جبينها، بل وذهبنا إلى حد الاتصال ببعض النواب لتحسيسهم بضرورة الضغط لإعادة هذا المنبر الفكري العلمي العالمي، لكن النواب ردوا علينا بأن آذان المسؤولين في بلدنا ظلت تتصادم عن سماع هذا النداء.
وما حيلتنا إذا كان هناك من يعلن دون أي دليل، بأن ملتقى الفكر الإسلامي قد كان سببا من أسباب جلب الإرهاب إلى الجزائر، كبرت كلمة تخرج من أفواههم”.
وأضاف:”إن مفهوم الدولة الإسلامية، قد أصبح شعارا سياسيا، أفرغ من مضمونه الإسلامي العميق؛ لذلك فإن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، قد فقهت مفهوم العمل الإسلامي منذ النشأة، فعملت بقيادة الإمام عبد الحميد بن باديس والذين معه على توعية الإنسان المسلم بحقيقة انتمائه إلى الإسلام، وتمييزه بما أمر الله به، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في شمولية هذا المفهوم على جميع الأصعدة، سياسيا، وثقافيا، واقتصاديا، واجتماعيا، وأخلاقيا، وذلك من وجهة نظرنا، هو التطبيق العملي لما أصبح يعرف اليوم بالدولة الإسلامية. كما أن جمعية العلماء الأم، هي التي طالبت بفصل الدين الإسلامي عن أحكام الدولة الاستعمارية اللائكية، وذلك ما يمثل جوهر الدولة الإسلامية”.
وأوضح قسوم قائلا: “يشهد الجميع بأن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في زمن الشيخ الإمام عبد الحميد بن باديس، قد برزت في هذا المجال، ببناء المدارس والنوادي، وتقديم الخطاب الديني المسجدي الأصيل، والإسهام في الحياة الثقافية الوطنية بإلقاء المحاضرات وتأليف الكتب. وإن الجمعية اليوم بالوفاء والعزم نفسه، نقوم بالنشاط نفسه.
ففي المجال الإعلامي تصدر أسبوعية البصائر بانتظام، ومجلة التبيان، ومجلة المقدمة الأكاديمية، ومجلة الربئية، ومجلة الشاب المسلم بالفرنسية، فهذا الزخم الإعلامي، يمكن أن يكون مؤشرا في الحكم على مدى إنتاج الأفكار وأكثر من هذا، فنحن نملك موقعا إلكترونيا، وصفحة إلكترونية زيادة على مساهمة علماء الجمعية في الملتقيات والندوات الفكرية الوطنية والدولية.
وبهذه المناسبة، أشير إلى أنه بعد أن عدت من تونس حيث شاركت مع أربعة محاضرين جزائريين منهم الشيخ عز الدين رزيق، عضو المكتب الوطني، في ندوة دولية علمية احتضنتها تونس في موضوع: تفعيل المقاصد في تدبير المال العام ومقاومة الفساد، ونترك للقارئ الكريم الحكم على مدى الإنتاج الفكري للجمعية اليوم.
ب/ص