كان للمطرب الأندلسي، محمود حاج علي، شرف تنشيط الحفل الافتتاحي بمناسبة إعادة فتح “دار البشطارزي”، بالجزائر العاصمة، الذي كان خلال عشرينيات القرن الماضي، محل يتدرب فيه محي الدين بشطارزي والحاج محمد العنقة.
وتقع “دار البشطارزي”، التي تشرف عليها مؤسسة فنون وثقافة لولاية الجزائر، في الطابق السفلي لمبنى بالقصبة السفلى (العاصمة)، على امتداد الواجهة البحرية اليسرى لمسجد كتشاوة، بشارع الإخوة أوسليماني. وأعيد ترميمه بالكامل من قبل مصالح ولاية الجزائر، ليصبح اليوم مكانا لالتقاء الفنانين. وأوضح فضيل حموش، رئيس البرمجة بالمؤسسة المشرفة على هذا الصرح التاريخي أن إعادة فتح هذا المعلم تندرج في إطار العمل الذي تقوم به ولاية الجزائر لإعادة تأهيل وتثمين التراث الثقافي والحضاري للعاصمة، لا سيما القصبة هذه المدينة الألفيةس. ومن المنتظر أن يستقبل هذا الفضاء الفني، تحت إشراف غرفة الصناعة التقليدية والحرف، عددا من العارضين في مجال الصناعة التقليدية والحرف اليدوية. وعلى أنغام محمود حاج على قائد جوق الفرقة الموصلية، رفقة كل من العازف على ألة البانجو كريمو مغزيفان وهشام حساني على ألة الكمان العمودي (ألتو) وكريم شيخي على العود وسفيان حداد بالدربوكة وفؤاد تبيب على ألة الطار، استمتع الجمهور، طيلة ساعة ونصف من الزمن، بنوبة السيكا وعدد من كلاسيكيات في الطبع الحوزي. وفي ختام حفل الإفتتاح، كان محي الدين بشطارزي محور كل النقاشات التي دارت حول المسيرة الاستثنائية لرجل الثقافة والتاريخ هذا. وولد محي الدين بشطارزي (1897-1986) بقصبة الجزائر، حيث احترف منذ عشرينيات القرن الماضي، عدة مهن، وكان الدافع وراء ذلك رغبته في رفع مستوى الوعي لدى أبناء وطنه حول وضعهم الاجتماعي الذي كان يفرض ضرورة اتخاذ أسباب تغيير مسار الأحداث. مؤذنا، ثم مؤدي الطرب الأندلسي، سجل بشطارزي 60 أسطوانة وهو في السن الرابعة والعشرين (24)، ونشط عدة حفلات بالجزائر العاصمة، قبل أن يقوم بجولة دولية، وفي سنة 1923 تولى إدارة الفرقة الموسيقية “المطربية”، وهي مؤسسة لتدريب والمحافظة على التراث الموسيقي الأندلسي. وأدرك هذا المثقف المستنير محدودية الموسيقى كوسيلة للتواصل في السياق الاستعماري، ما دفعه خلال سنوات 1930 للاهتمام بالفن الرابع رفقة كل من علالو (علي سلالي) ورشيد قسنطيني. وفي سنة 1947، قدم مع مصطفى كاتب عروضا مسرحية أسبوعية في أوبرا الجزائر (المسرح الوطني الجزائري حاليا)، من خلال دمج عدد كبير من المواهب الشابة، الذين انظم عدد كبير منهم الى الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني، ليصنعوا بعد الإستقلال، أجمل أيام المسرح والسينما الجزائرية. وعرفت مسيرة محي الدين بشطارزي، عدة نجاحات فنية مبهرة، حيث كان قائدا حقيقيا لمشهد ثقافي ناشئا آنذاك ليصبح راسخا اليوم.
ف.ف