احتضنت المدرسة الوطنية العليا للعلوم الإسلامية بجامع الجزائر، ملتقى وطنيا علميا بالشراكة مع الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث العلمي، تحت عنوان: “مكانة الطب النبوي في الطب والطب التقليدي والتكميلي”.
وقد عرف هذا الملتقى الأكاديمي، مشاركة نخبة من العلماء، الأطباء، والخبراء، بهدف إعادة النظر في موقع الطب النبوي ضمن المنظومة الصحية، واستكشاف أبعاد التكامل بين الجسد والروح في ضوء المعارف العلمية والمرجعيات الإسلامية. في كلمته، شدد عميد جامع الجزائر، الدكتور محمد المأمون القاسمي، على ضرورة تحرير الطب النبوي من التوظيف العاطفي والمزايدات الشعاراتية، داعيًا إلى إدراجه ضمن مقاربة علمية رصينة. وأوضح أن الطب النبوي، لا يشكل بديلًا عن الطب الحديث، بل يُنظر إليه كمنظومة متكاملة تعالج الإنسان في أبعاده النفسية، والروحية، والجسدية، وتقوم على الوقاية قبل العلاج، وربط السلوك الصحي بالإيمان. وأضاف القاسمي، أن فهم الأحاديث النبوية المتعلقة بالطب يجب أن يتم ضمن سياقها المقاصدي والبيئي، مبرزا أهمية التمييز بين التوجيهات العامة والممارسات الخاصة بزمن معين. كما ألح على ضرورة إعادة قراءة الطب النبوي بعيون علمية، لا تقصيه بدعوى الحداثة، ولا تقدسه دون تمحيص. من جهته، أبرز البروفيسور مصطفى خياطي، رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث، الإقبال العالمي المتزايد على الطب التكميلي، خاصة في الدول المتقدمة، حيث تصل نسبة الاعتماد عليه إلى ما بين 40 و70 بالمئة. واعتبر أن هذا التوجه يعكس تحولا في فهم الإنسان، من كائن بيولوجي صرف، إلى كائن معقد يتطلب تكفلا شاملا يجمع بين النفس والجسد. كما أشار إلى أن السلطات العمومية بدأت تعترف بأهمية هذا النوع من الطب في دعم المنظومة الصحية، خصوصا في ضوء أزمتي كورونا وغلاء العلاج الكلاسيكي، مؤكدا ضرورة وضع إطار قانوني يضمن نجاعة الطب التكميلي وسلامة ممارسته في الجزائر، على غرار ما تم في بلدان مثل الصين، السعودية والهند. من جانبه، دعا الأستاذ مسعود موزالي، نائب رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة، إلى تقنين الطب التكميلي وإنشاء مركز وطني يعنى بتكوينه وتأطير ممارسيه، خاصة في ظل غياب إطار قانوني واضح. واستعرض تجربته كباحث في الطب العربي القديم، مشيرا إلى التداخل بين مفاهيم “الطب النبوي”، و”الطب التقليدي”، و”الطب التكميلي”. وخص موزالي الحجامة بحيز كبير، باعتبارها أكثر التخصصات ممارسة في الجزائر، مقدما مرافعة علمية حول مشروعيتها وفوائدها، مؤكدا على أهمية إجراء أبحاث علمية موثقة أسوة بدول رائدة، لفهم آلياتها الفسيولوجية، ومدى فعاليتها في علاج بعض الأمراض المزمنة. أبرز الملتقى إرث الجزائر الغني في مجال الطب التقليدي، حيث استعملت حوالي 30 نوعا من العلاجات الشعبية، مثل العلاج بالعسل، والنخيل، والحمية الوقائية. واستذكر في هذا السياق أطباء جزائريون أثروا المجال منذ العهد الروماني حتى العهد العثماني، وكرسوا مفاهيم صحية تتماشى مع الهدي النبوي، كغسل اليدين واحترام آداب الطعام. في ختام أشغاله، أوصى الملتقى بصياغة ورقة عمل تمهد لإدماج الطب النبوي والتكميلي ضمن المنظومة الصحية الوطنية، من خلال تقنين الممارسة، وتطوير البحث العلمي في هذا المجال، بما يخدم صحة المواطن ويكرس مبدأ التكامل بين التراث النبوي والعلوم الطبية الحديثة. كما أجمعت المداخلات على ضرورة رؤية الطب كأداة إنسانية شاملة، تنصت إلى المريض ككائن حي، لا مجرد ملف طبي.
محمد بوسلامة