“خمسون مفتاحا للخمسينية” للراحل عبد المجيد مرداسي.. كتاب هام في مسار الحفاظ على الذاكرة الوطنية

“خمسون مفتاحا للخمسينية” للراحل عبد المجيد مرداسي.. كتاب هام في مسار الحفاظ على الذاكرة الوطنية

يعد كتاب “خمسون مفتاحا للخمسينية” للجامعي والباحث في علم الاجتماع والمؤرخ الراحل عبد المجيد مرداسي، مكسبا هاما في مسار الحفاظ على الذاكرة الوطنية، لكون كاتبه وقف عند أهم المحطات التاريخية التي عرفتها الثورة التحريرية عبر خمسين عنوانا مختلفا، وبات الآن جاهزا ليستفيد منه قراء اللغة العربية.

وجاء هذا الكتاب، الصادر عن منشورات “حبر” في 161 صفحة والمترجم من طرف خالصة غومازي، في شكل مقالات، حيث استهله مرداسي بالحديث عن “التيار الاستقلالي”، الذي عرفه بـ “الحركة السياسية الداعية إلى استقلال الجزائر”، في العشرينيات من القرن الماضي، وخصوصا مع حزب “نجم شمال إفريقيا” الذي “دافع فيه ناطقه مصالي الحاج عن مشروعية هدف استقلال الجزائر”.

ويعتبر مرداسي بأن هذا الحزب قد “تبنى” المسألة الجزائرية، و”بسبب نشاطه وفعاليته، فقد تعرض إلى القمع وتم حله في الوقت الذي بدأت فيه فكرة الاستقلال تترسخ لدى جزء من الرأي العام”، ولأدل على ذلك من الأثر الذي خلفه خطاب مصالي الحاج الذي ألقاه في الملعب البلدي للجزائر العاصمة شهر أوت عام 1936.

ويوضح أن حركة انتصار الحريات الديمقراطية، واجهة حزب الشعب الجزائري الشرعية، ومن خلال مؤتمر لها في فبراير 1947، قد “منحت حق اللجوء إلى الكفاح المسلح، فأنشأت المنظمة الخاصة التي تفككت في 1950″، غير أن “إصرار مناضليها القدامى على الاستقلال قد أدى إلى تبني الكفاح المسلح”.

وعاد مرداسي، من جهة أخرى، إلى مجموعة الـ 22، وكلهم تقريبا من أعضاء “المنظمة الخاصة” التي اجتمعت بالعاصمة في جوان 1954 -يقول الكاتب- حيث كان “الإجماع على ضرورة الكفاح المسلح”.

كما تطرق إلى جبهة التحرير الوطني التي قادت الثورة التحريرية ولاقت الكثير من التحديات، وإلى إدارتها التشكيلية الأولى التي عادت إليها فيما بعد “المسؤولية الفعلية” لاندلاع الثورة ولإعادة “ضبط الحقل السياسي الجزائري”.

وسلط مرداسي الضوء أيضا على مؤتمر باندونغ الأفرو-آسيوي المنعقد شهر أفريل 1955 بأندونيسيا، أين نجح ممثلو حزب جبهة التحرير الوطني في التعريف بكفاح جبهة التحرير الوطني ونضالها من أجل الاستقلال، ما جعل المؤتمر يخرج بتوصية تسجيل القضية الجزائرية في أجندة الأمم المتحدة.

وشدد الباحث أيضا على أهمية هجومات الشمال القسنطيني 20 أوت 1955 بقيادة زيغود يوسف، لافتا إلى أنها “أحدثت تغييرا جذريا في طبيعة الصراع”، و”أثرت في الرأي العام الجزائري”، و”أبانت جدوى توسيع ما تم البدء فيه شهر نوفمبر”.

كما تناول “مؤتمر الصومام” الذي يعد “المنعطف الحاسم” في تاريخ حرب التحرير، خصوصا أن ميثاقه “يعرض أسس الدولة الوطنية المستقلة”.

ومن المواضيع التي حظيت أيضا باهتمام المؤرخ “فيدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا”، التي اعتبر أن تأسيسها “لبى الحاجة السياسية إلى حضور جبهة التحرير الوطني ونشاطها على التراب الفرنسي”، حيث كان محمد بوضياف أول من قام بتعيين لجنتها ..”، كما “شكلت قاعدة لوجستيكية للمقاومة ..”.

ومن عناوين هذا الإصدار أيضا “التعذيب”، إذ يقول مرداسي إن الجيش الفرنسي مارسه بصفة “ممنهجة” واعتبره “أداة من أدوات الحرب”، فقد عمد “بكثافة وعن قصد” إلى تعذيب الجزائريين ومعهم كل أوروبي يشتبه في عمله لصالح جبهة التحرير الوطني من خلال “اللجوء إلى الوسائل الأكثر وحشية”.

ولدى تطرقه لموضوع “الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية”، التي تأسست بالقاهرة في سبتمبر 1958، اعتبر المؤرخ أنها “لعبت دورا بالغ الأهمية في اكتساب الدعم الدولي”.

وأولى مرداسي اهتمامه أيضا لدور الإعلام خلال الثورة، ممثلا في جريدة “المجاهد”، مسلطا الضوء على الدور الرائد لبن يوسف بن خدة الذي كان “أول من أدرك دور الإعلام في توجيه مسار الثورة”، حيث أصبحت هذه الجريدة مصدرا مفضلا لوسائل الإعلام الدولية المهتمة بالقضية.

ومن المواضيع التي حملها أيضا هذا الكتاب مظاهرات ديسمبر 1960، وانقلاب الجنرالات الفرنسيين في 21 أفريل 1961، ومظاهرات 17 أكتوبر 1961 بباريس، وحملة الحقائب وكذا المجلس الوطني للثورة الجزائرية، ولجنة التنسيق والتنفيذ، والمنطقة المستقلة للجزائر العاصمة، بالإضافة إلى معركة الجزائر، وخط موريس ومعسكرات الاعتقال.

وزود مرداسي مؤلفه بسير ذاتية للعديد من قادة الثورة والحركة الوطنية على غرار مصالي الحاج ومحمد بوضياف وعبان رمضان والعربي بن مهيدي وفرحات عباس، كما قدم مصادر ومراجع لكل موضوع تناوله لمؤرخين جزائريين وفرنسيين، وقد ضم الكتاب أيضا ملاحق حول مواضيع مختلفة كنداء أول نوفمبر 1954 وتشكيلة المجلس الوطني للثورة الجزائرية – أوت 1956.

وستمنح حقوق المؤلف لهذا الإصدار، الذي نشر في طبعته الأصلية باللغة الفرنسية في 2013، في شكل هبات مادية لجمعية خيرية لمساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة، وفقا للناشر.

وألّف مرداسي (1952- 2020) عدة كتب حول تاريخ مدينة قسنطينة، الموسيقى الجزائرية والثورة التحريرية، بينها “الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، عهدة تاريخية / 19 سبتمبر 1958- 3 أوت 1962″، “نوفمبر 1954، من التمرد إلى حرب الاستقلال” وكذا “قسنطينة، قلعة الثوار”.

ب\ص