خلق المواساة

خلق المواساة

من أعظم آداب الإسلام، ومن أقوى مظاهر الإيمان: مواساة المؤمن لأخيه المؤمن، فيقف معه في كربته، ويواسيه في محنته، ويخفف مصابه، ويسد حاجته. وكان خلق المواساة متقدما على كثير من الشرائع في الإسلام، وأكبر مظهر للمواساة ما عمله النبي عليه الصلاة والسلام فور هجرته إلى المدينة من المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، فعزم بعض الأنصار على الانخلاع من نصف أموالهم لإخوانهم، ودونت في سيرهم أعاجيب من آثار هذه المؤاخاة، في بعضها إيثار وفي أكثرها مواساة حتى قال المهاجرون رضي الله عنهم: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا رَأَيْنَا قَوْمًا أَبْذَلَ مِنْ كَثِيرٍ وَلَا أَحْسَنَ مُوَاسَاةً مِنْ قَلِيلٍ مِنْ قَوْمٍ نَزَلْنَا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، لَقَدْ كَفَوْنَا المُؤْنَةَ وَأَشْرَكُونَا فِي المَهْنَإِ، حَتَّى لَقَدْ خِفْنَا أَنْ يَذْهَبُوا بِالأَجْرِ كُلِّهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:”لَا مَا دَعَوْتُمُ اللَّهَ لَهُمْ وَأَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِمْ” رواه الترمذي وصححه.

إدخال السرور على المؤمن من أعظم القربات، ومواساة إخوانه له مما يدخل السرور عليه؛ لعلمه أنهم يحسون به، ويتألمون لألمه، ويخففون عنه مصابه. وكلما كانت المواساة في أمر ضروري كان وقعها على النفس أشد. وقد جاء في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: “أَنْ تُدْخِلَ عَلَى أَخِيكَ الْمُؤْمِنِ الْمُسْلِمِ سُرُورًا، أَوْ تَقْضِيَ لَهُ دَيْنًا، أَوْ تُطْعِمَهُ خُبْزًا” صحيح الجامع، ومن أعظم السرور: سرور الجائع بالطعام، وسرور البردان بالغطاء والدفء. فلنتق الله تعالى فيهم، ولنواسهم بما يعينهم ويخفف مصابهم، فإنهم في مخمصة شديدة، وكربة عظيمة، وحاجة أكيدة. وإطعام الجائع، وتدفئة البردان، وإيواء المشرد فيه حفظ لنفوس من التلف ” وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ” المائدة: 32. فأحيوا إخوانكم بفضول أموالكم، وتواصوا بمواساتهم فيما بينكم؛ فإن المسلم أخو المسلم: لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله، ومن تخلى عن إخوانه في محنتهم ليفترسهم الجوع والبرد والخوف فقد ظلمهم وأسلمهم وخذلهم، ويخشى أن تزول نعمته، وأن تعجل نقمته، وأن تبدل عافيته.

كان بشر بن الحارث رحمه الله تعالى ينزع ثيابه في الشتاء ليحس بالبرد الذي يجده الفقراء، ويقول: لَيْسَ لِي طَاقَةُ مُوَاسَاتِهِمْ بِالثِّيَابِ فَأُوَاسِيهِمْ بِتَحَمُّلِ الْبَرْدِ كَمَا يَتَحَمَّلُونَ. وكَانَ أُوَيْسُ بنُ عَامِرٍ رحمه الله تعالى إِذَا أَمْسَى تصدَّق بِمَا فِي بَيْتِهِ مِنَ الفَضْلِ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، ثُمَّ قَالَ: اللهمَّ مَنْ مَاتَ جُوْعاً فَلاَ تُؤَاخِذْنِي بِهِ، وَمَنْ مَاتَ عُرْياً فَلاَ تُؤَاخِذْنِي بِهِ.

وفي ليلة باردة تصدق محمد بن عبدوس المالكي بقيمة غلة بستانه كلها – وكانت مائة دينار ذهبي – وقال: ما نمت الليلة غمَّاً لفقراء أمة محمد صلى الله عليه وسلم.