سقطت في الماء جميع التدابير التي اتخذتها السلطات في سبيل تجنيب عاصمة البلد كارثة الفيضانات، وذهبت مع الريح مجمل التوصيات التي خرج بها اجتماع الحكومة حول الكوارث الذي عقد قبل سنوات بعدما غرقت البهجة بعد سويعات قليلة من تهاطل أولى أمطار الخريف، وأدت إلى شل الطرقات وجرف السيارات وتغلغل المياه إلى داخل المنازل مولدة سخطا واستياء كبيرين لدى المواطنين الذين فتحوا جبهات عدائية ضد السلطات على صفحات الفايسبوك، متهمين إياها بالعجز والفشل في ضبط عمل الشركات المقاولاتية التي تخلفت عن إتمام أشغالها الخاصة بقنوات تصريف المياه مع عجزها عن فرض الالتزام بتدابير الوقاية على المتورطين إما بسرقة أغطية البالوعات أو العمل على انسدادها بإلقاء النفايات بها، ولم تفلح حتى جهودها بمعية مؤسسات التطهير في إنهاء سلسلة الكوارث التي أضحت تصيب العاصمة مع كل موسم وكأنها اللعنة التي تأبى مفارقتها رغم كل التحذيرات .
عمليات استباقية للتطهير تسقط في الماء
قادت بلديات العاصمة وطوال الصائفة الماضية حربا شعواء ضد الشوائب التي تعلق في البالوعات، المتهم الرئيسي في الكوارث السابقة التي أدت إلى هلاك وتشرد الكثيرين، حيث عملت على تنقية واسعة للمجاري والوديان وتنظيف البالوعات
والأقبية، ففي المدينة الجديدة سيدي عبد الله، خضعت عدة أحياء لعملية واسعة لتنظيف البالوعات على غرار أحياء 5000 مسكن
و1400 مسكن و2500 مسكن، أما بلدية بئر توتة فقد حرصت على إعادة تهيئة قنوات الصرف الصحي وتفادي تكدس النفايات في المجاري والوديان، سيما منها مخلفات أشغال البناء، في حين عرفت المقاطعة الإدارية لزرالدة عملية مماثلة بتسخير عتاد وتجهيزات وآليات ضخمة من جرافات وشاحنات، للقيام بأشغال التطهير، وتم استهداف وادي مزافران ووادي المعالمة وأزير ووادي شاطئ النخيل… وغيرها، كما تم ببلديات اسطاوالي والسويدانية، تنظيف وتعقيم المساحات الخضراء والحدائق العمومية، أما في بوزريعة وبني مسوس، فقد قادت البلديتان حملة للتعقيم ورفع النفايات والردوم بتسخير 19 عونا من البلديتين و35 عونا تابعين للمؤسسات العمومية والخاصة المعنية بأشغال التنظيف، مع خمس شاحنات مختلفة الأوزان وآلة حفر وشاحنة ذات صهريج، حيث سمحت هذه العملية برفع حوالي 25 طنا من الردوم بحي عين فران، وإزالة الأعشاب المتواجدة بالطريق الجديد، مع القيام بعملية تطهير المسالك المتواجدة داخل هذه الأحياء، وفي الشراقة عملت مصالحها على القضاء على النقاط السوداء ورفع الأتربة والنفايات المنزلية والصلبة، إزالة الأعشاب الضارة وإعادة تهيئة المساحات الخضراء، وتسريح جميع البالوعات، مع صيانة الطرق وكذا الأرصفة.
من جانبها، عملت مصالح ولاية الجزائر، على برمجة حملات تحسيسية للمواطنين من أجل الحفاظ على المحيط ورفع النفايات الصلبة عبر الطرقات والشوارع، إضافة إلى تسخيرها لإمكانيات مادية وبشرية لتطهير المجاري والبالوعات، ورغم كل ذلك فإن الحادثة وقعت وتكرر السيناريو الذي حرص الجميع على تفاديه وغرقت العاصمة مجددا .
أسروت تستنفر و10 آلاف وحدة تصريف تم تسريحها
استنفرت مؤسسة صيانة شبكات الطرق والتطهير “أسروت”، جهودها في تنفيذ مخططها السنوي المتمثل في تنقية وتنظيف البالوعات ومجاري الصرف الصحي ومياه الأمطار بتجنيد فرق خاصة لذلك، حيث شملت العملية كل النقاط السوداء بإقليم ولاية الجزائر تحسبا لأي طارئ يخص التقلبات الجوية والأمطار الخريفية المفاجئة ابتداء من بلديات باش جراح والمقربة وحسين داي وسيدي امحمد والقصبة وباب الوادي وبن عكنون وبئر مراد رايس، وغيرها، ويتمثل هذا البرنامج في تسريح مجاري مياه الصرف الصحي وإزالة الردوم والأتربة ومواد البناء من الطريق العمومي، بالإضافة إلى إزالة الأعشاب الضارة وتنظيف قنوات صرف المياه الصحي وإنجاز ومتابعة أشغال الإصلاحات على الطرق الحضرية وشبكات الصرف الصحي.
وعن الأشغال المنجزة من طرف مؤسسة صيانة شبكات الطرق والتطهير إلى غاية نهاية شهر أوت من السنة الجارية، فقد تم تنظيف أزيد من 180 ألف بالوعة وتنقية 10 آلاف وحدة من قنوات الصرف الصحي والأمطار يدويا، بالإضافة إلى تنظيف 15 ألف فتحة مشعب بكل السعات، ورفع 240 ألف متر مكعب من الأتربة والحجارة إلى المفرغة العمومية، وترميم 117 ألف متر مربع من الطرقات والأرصفة بالزفت الساخن والبارد.
العاصمة تغرق بعد ثلاث ساعات من تهاطل الأمطار
لم يستغرق تساقط الأمطار بالعاصمة أكثر من ثلاث ساعات في أولى زخات الخريف، حتى تشكلت السيول الجارفة التي أخذت في طريقها كل شيئ مسببة خسائر مادية معتبرة وكشفت كثيرا من الخفايا بشأن أداء السلطات ومدى تقيد الشركات المقاولاتية بالمعايير المطلوبة في تشييد المشاريع سيما منها الطرقات التي لحقت بها أضرار كبيرة من تشققات واقتلاع لواجهتها من الزفت و تشكل حفر عميقة وغيرها في مقابل تغلغل المياه إلى داخل المنازل والمحلات وتهديد أصحاب السكنات الهشة بمشاكل إضافية، كما شلت حركة المرور لأكثر من 8 ساعات وأوقفت حركة الترامواي الذي امتدت إلى مقطوراته المياه، واجتاحت السيول أيضا الأنفاق وعرت كوابل الكهرباء. وتسببت السيول الجارفة والرياح العاتية أيضا في سقوط جزء من جدار السفارة الفرنسية بمنطقة “حيدرة” على بعض السيارات، دون وقوع خسائر بشرية، كما سجلت بلديات حسين داي والمقرية وباش جراح تضررا كبيرا بسبب هذه الأمطار، حيث تحولت معظم شوارعها إلى مسابح بعدما غطت الأوحال والأوساخ أغلب البالوعات، في حين عجزت المتبقية عن استيعاب التدفق الشديد للمياه.
وحسب مصالح الأرصاد الجوية، فإن أعلى نسبة تساقط للأمطار كانت بمنطقة براقي، حيث بلغت بمحطة براقي 63 مليمترا، الأمر الذي جعل الديوان الوطني للأرصاد يطلق تنبيهات ونشريات خاصة لمنطقة الوسط لتعلم المواطنين بتسجيل نسب مياه الأمطار بكل من محطة ميناء الجزائر 25 مليمترا، وبمحطة تسالة المرجة 51 مليمترا، ومحطة بوزريعة 56 مليمترا، و منطقة المعالمة 34 مليمترا، ومحطة الرغاية 11 مليمترا، معتبرا أن هذه الأمطار موسمية وجد عادية ولا تشكل أي خطر مقارنة بما سجل في البلدان المجاورة التي وصلت نسبة التساقط بها 100 مليمتر على غرار تونس.
تراشق للاتهامات والموت يتربص بالسكان كل موسم
يسعى أميار العاصمة في كل مرة إلى إبعاد تهم التقاعس في تفادي كارثة الفيضانات عنهم، بعدما تحالف الجميع لتحويلهم إلى متورطين بشكل أو بآخر سيما وأن الكثيرين اتفقوا على أن المشكل الرئيسي الذي هو مرتبط بالبالوعات يندرج ضمن مهامهم، في وقت يؤكدون فيه أن حملات التنظيف لا تقع على مسؤولية البلدية أو مؤسسات النظافة والتطهير فقط، بل كذلك على المواطنين والسكان والحركة الجمعوية التي من المفروض ألا تكتفي بحملات موسمية تقام مرة في السنة وإنما تبرمج دوريا وفي كل فصول السنة لأن كثيرا من المواطنين غير واعين بالأضرار التي قد تسببها سلوكاتهم من رمي النفايات في الطرقات .
وقد أجج الموضوع التعليقات على المنصات الاجتماعية، بين من يحمّل المواطن المسؤولية وبين الذي يرى أن السلطات لم تقم بواجبها، وأنها لم تتعظ من كارثة 2001 بباب الوادي، فمنهم من تساهل مع التصرفات غير المسؤولة للمواطنين قائلين إن كثيرا من الدول تقمع أو تصلح ما يفسده المواطنون، معيبين على السلطات عجزها عن التحكم في المشكلة التي أضحت تقليدا سنويا واكتفائها في كل مرة بالوعود الكاذبة بحل مشكل انسداد البالوعات الذي ما يزال يراوح مكانه كما اتهموها بعدم أخذ تحذيرات مصالح الأرصاد الجوية على محمل الجد، في وقت انتقد فيه آخرون ما اعتبروه غش المقاولين في إنجاز الطرقات ومختلف المشاريع، مشيرين أيضا بأصابع الاتهام إلى القائمين على أشغال قنوات الصرف الصحي على غرار شبكة رويسو التي لا تتطابق مع المعايير المعمول بها في هذا الإطار، حيث وعوض استعمال أنابيب بقطر دائري يبلغ 300 ملم، تم استعمال أنابيب بنصف ذلك القطر، الأمر الذي يؤدي بالضرورة إلى عدم استيعاب هذه القنوات للكميات المعتبرة من المياه التي تنجرف لها، ما يؤدي إلى ارتفاع منسوب المياه بعد السقوط الكثيف للأمطار، في المقابل نالت مديرية الأشغال العمومية نصيبها من الاتهامات باعتبار أن أغلب الأنفاق والنقاط التي سجلت فيها الفيضانات أشرفت عليها ذات المديرية.
لا خريطة للمجاري القديمة والبنية التحتية للعاصمة على شفا الانهيار
تفتقر العاصمة إلى أي تصور يحدد خطوط توزيع المياه بتضاريسها، فهي لا تملك خريطة عن أغلب المجاري القديمة التي باتت لا تقدر على التحمل أكثر، ومنها من يعود إلى أوائل القرن الماضي وهناك قنوات في الأحياء العتيقة تعود إلى العهد العثماني، ما يؤدي خلال السيول إلى تحطمها وإغراق العاصمة، موازاة مع عجز عن إيجاد تسوية بعيدا عن هذه الخريطة التي من شأنها تخفيف الضرر، في المقابل فإن مجال تدخل مؤسسة “أسروت” في مجال شبكات الطرق الحضرية حدد بحوالي 1487 كلم، أما شبكات التطهير فتمتد على طول 971 ألف كلم. كما يقع على عاتقها صيانة وتنقية أزيد من 56 ألف بالوعة و26 ألف وحدة من فتحات المشاعب.
وعلى العموم، فإن تكرار السيناريو كل موسم جعل المواطنين يصبون جم غضبهم على السلطات التي نظمت عدة ملتقيات لمنع الكارثة، منتقدين بشدة البنية التحتية الهشة لعاصمة البلد التي لا يمكنها مواجهة وتحمل المخاطر الطبيعية.
الرئاسة تتدخل وتتوعد
أعلنت الرئاسة الجزائرية عن مباشرة تحقيقات بخصوص ما جرى في العاصمة بسبب الفيضانات، حيث أمر رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون المديرية العامة للأمن الوطني بفتح تحقيق فوري حول أسباب ارتفاع منسوب المياه بشكل غير طبيعي في بعض الطرق والأنفاق وتسجيل خسائر كبيرة وكذا التسبب في عرقلة حركة المرور وشلها بالعديد من الأماكن بالجزائر العاصمة خاصة على مستوى الأنفاق.
روبورتاج: إسراء. أ