إن حياة الشهداء وموتهم قدوة، ومثل أعلى، وقد عرف شهداء ثورة نوفمبر بجملة من الصفات التي تميزوا بها، من بينها الشجاعة النادرة وحب الوطن والأمة والإخلاص والصدق في القول والعمل والتضحية بالممتلكات والأزواج والأولاد… وتفضيل الموت على الحياة، وآثاروا الشهادة على الاستسلام للعدو… مع نبذهم للزعامة والأنانية والكبرياء والتسلط وتحملهم المسؤولية مهما كان ينوء بحملها لجسامتها، ونكرانه لذاته على الإسلام وشريعته وعلى المحارم وحدود الله والدفاع عنها. وكيف لا يكونون كذلك والخطيب فيهم يذكرهم دائما بمقام الشهداء عند ربهم.. “ولا تقول لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون” البقرة ١٥٤. وقوله تعالى: “ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما أتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون” آل عمران ١٦٩- ١٧٠. وبالرغم من انعدام التوازن والتكافؤ في القوى العسكرية بين المجاهدين “الثلة” والفرنسيين “الكثرة”، إلا أن الله تعالى كان دائما يظفرهم بنصره المؤزر لإيمانهم القوي بربهم. قال تعالى:” كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين”. البقرة الآية ٢٤٩.
ويروي لنا التاريخ أن فرنسا حكمت على ١١ مناضلا بالإعدام، وحينما حل وقت التنفيذ أوصى بعضهم بالصبر والثبات وأوصوا إخوانهم السجناء بمواصلة الكفاح في سبيل تحرير الجزائر. وعندما جاء دور المناضل “بودينا” أوصاهم بالجزائر، وقال لهم: “سلموا على أمي وقولوا لها إن ابنك لم يمت لأن المشنقة لن تقتل إلا جسمه، أما روحه فستبقى تغني بحرية الجزائر وتلعن المستعمر. ولما وضع تحت المشنقة، قال له الإمام: تذكر يا بني ربك وقل لا إله إلا الله محمد رسول الله، فالتفت إليه البطل وقال له: إن كنت مسلما حقا فمكانتك مع جيش التحرير، أما الله تعالى فإني أعرفه أكثر منك. ومن منا لا يعرف موقف الشهيد أحمد زبانة أمام المقصلة، ذلك الموقف الخالد الذي سيظل صفحة مشرقة في تاريخ الثورة الجزائرية، والذي حكم عليه بالإعدام ونفذ فيه بتاريخ ١٨/٠٧/١٩٥٦ واستقبل الحكم برباطة جأش وصداقة بأس وكتب رسالة إلى أهله تفيض إيمانا وشجاعة. فطلب الصلاة قبل الإعدام وصلى ركعتين في ثبات وجلال الإيمان.