– طريقة التعامل والإهمال أهم مسببات الإعتداءات
أصبح الإعتداء على الطاقم الطبي بالمؤسسات الإستشفائية حدثا “شبه يومي”، جعل الأطباء وشبه الطبيين يعملون في جو “مشحون وغير آمن”، وتشكل ظاهرة العنف بالمؤسسات الاستشفائية لا سيما بمصالح الاستعجالات وأحيانا ببعض مرافق الصحة الجوارية انشغالا كبيرا في الأوساط الصحية، ما يستدعي وضع آليات لمجابهتها لتوفير ظروف تكفل أفضل بالمرضى، حسب ما أفاد به ممارسون بقطاع الصحة.
تنامي الاعتداء على الطاقم الطبي نهارا، جعل العمل في المستشفيات، ليلا، مغامرة غير محمودة العواقب، بعدما أضحت الاعتداءات على الأطباء والممرضين، من قبل المرضى أو ذويهم تتكرر بشكل يومي، حيث تحوّلت قاعات الإستعجالات إلى حلبات للملاكمة والشجار وتبادل عبارات السب والشتم خاصة من ذوي المرضى الذين يلقون اللوم على الأطباء ويلجأون إلى العنف كوسيلة للتعبير عن سخطهم من تردي الخدمات الصحية.
ســوء معاملــة المرضــى السبــب الأول فــي تفشــي الظاهــرة
لا يغيب الشجار والجو المشحون بين أهل المرضى والعاملين في المستشفى عن أي مؤسسة استشفائية في الجزائر، وخاصة في قسم الإستعجالات، عندما يستقبل المرضى وذووهم سواء من قبل أعوان الأمن أو مستخدمي قطاع الصحة بطريقة “استفزازية”، ما يولد حالة من الغضب لدى أهل المريض، تتحول إلى عنف لفظي يتحول بدوره إلى عنف جسدي في أغلب الأحيان. على الرغم من أن رئيس النقابة الجزائرية لشبه الطبي، غاشي الوناس، يعتبر أن العنف اللفظي والجسدي، الذي يمارسه أهل المرضى على عمال قطاع الصحة يعود إلى انعدام الوعي لدى أهل المريض، وطالب بتعزيز الجانب الأمني داخل المستشفى، غير أنه اعترف بوجود تقصير من قبل ممارسي قطاع الصحة، خاصة أولئك الذين لم يتلقوا تكوينا كافيا في طريقة التعامل مع المرضى.

المحسوبية.. جانب مظلم ينخر القطاع
من جهة أخرى، يعاني المرضى كذلك من تفشي ظاهرة المحسوبية في المستشفيات، فكثيرا ما ينشب الشجار بين المرضى والطاقم الطبي في المستشفى، بسبب إقدام العمال على تمرير مرضى قبل آخرين بحجة القرابة أو أنه مبعوث من شخص ما، وهو ما يؤدي إلى حالة غليان تتحول إلى أحداث دامية وفوضى تشل العمل في المستشفى.
ومن دون شك، فإن الإهمال والطريقة “الفضة” في تعامل عمال المستشفيات مع المرضى هما السبب الرئيسي في ظهور ظاهرة العنف في المستشفيات، ولعل القضايا التي رفعها أهل المرضى ضد عمال المستشفيات على مستوى العدالة تدل على ذلك، إذ تدور معظمها حول إهمال المستشفى للمرضى، ما يؤدي إلى تفاقم حالتهم الصحة وفي الكثير من الأحيان إلى الوفاة.
الاستعجالات والولادة الأكثر عرضة لظاهرة العنف بالمؤسسات الاستشفائية
وتأتي الاستعجالات الطبية والولادة في مقدمة المصالح الإستشفائية الأكثر عرضة إلى مختلف أشكال الاعتداءات جسدية كانت أم معنوية، والتي يتسبب فيها بنسبة 90 بالمائة المرافقون للمريض، وهذا حسب ما أدلى به مختلف الفاعلين في القطاع.
وإذا كان البعض يرجع هذه الاعتداءات إلى الضغط الذي تعاني منه هذه المصالح وعدم استجابتها إلى الطلب المتزايد نتيجة التحولات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية للمجتمع، فإن البعض الآخر يفسرها بقلة الوسائل وسوء التنظيم لبعض المؤسسات الإستشفائية، بالإضافة إلى ظهور بعض السلوكات الغريبة لدى المترددين على هذه المصالح.
وفي هذا الشأن، أوضح مدير المؤسسة الإستشفائية العمومية سليم زميرلي بالحراش عبد الحميد بوشلوش بأن “تعرض المؤسسة إلى العنف سيما مصلحة الإستعجالات راجع الى تواجدها بمحاذاة عدة تجمعات سكانية كبرى، بالإضافة الى استقبالها لضحايا حوادث المرور والمصابين بمختلف أنواع الصدمات والرضوض والكسور خاصة تلك التي يتسبب فيها الشجار بين المجموعات الشبانية”.
وهران: العنف ضد مستخدمي قطاع الصحة أضحى يوميا
أصبحت ظاهرة الاعتداء أو العنف ضد مستخدمي المؤسسات الصحية يومية بولاية وهران وازداد حدة إلى درجة أن وزير الصحة وجه مؤخرا تعليمة للمديريات الولائية لإيداع شكاوى أمام الجهات القضائية ضد المعتدين على مستخدمي وعمال القطاع.
وصرح المكلف بالإعلام بمديرية القطاع لولاية وهران الدكتور يوسف بوخاري لـ “واج” بأنه يتعين “على مهنيي قطاع الصحة أن يعرفوا أسباب هذا العنف وأن يقوموا بالتصحيحات الضرورية”، مضيفا أن المريض أو أقاربه “لهم الحق في طرح انشغالاتهم والتي يعبرون عنها أحيانا عبر العنف”.
وأكد ذات المسؤول أن “العنف لا يمكن تبريره أبدا، ولكن المواطن الذي عانى من سلسلة من الحوادث في المؤسسات الصحية يشعر بأنه مظلوم ويعبر بطريقته الخاصة وأحيانا بطريقة يمكن إدانتها”.
وأشار ذات المتحدث إلى أن “المستخدمين وبالنظر إلى حجم العمل والعدد المتزايد للمرضى ونقص الوسائل يمكنهم فقط تقديم ما لديهم، هذا لا يكفي للمرضى وأقاربهم في بعض الأحيان ويسبب مشاكل تؤدي إلى العنف اللفظي أو الجسدي”.
ورقلة.. حالات سوء الفهم تنتهي بعنف لفظي أو جسدي
وفي هذا الصدد، أوضح رئيس مصلحة الوقاية بمديرية الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات، الدكتور جمال معمري بولاية ورقلة بأن اعتماد أشخاص مكلفين باستقبال المرضى ومرافقيهم فضلا عن القيام بتحسيس المواطن بحقوقه وواجباته عندما يرتاد المؤسسات الصحية وكذا توعيته أيضا بالمهام المنوطة بالهياكل الاستشفائية ومؤسسات الصحة الجوارية، من شأنه أن يساهم بشكل مباشر في تفادي حالات سوء الفهم التي غالبا ما تنتهي إلى اعتداءات لفظية أو جسدية أحيانا.
وأضاف ذات الممارس أن “الإشكالية غالبا ما تقع في عدم تفريق المواطن بين حالة استعجالية وأخرى عادية، بحيث أن المريض وفور دخوله المؤسسة الصحية سيما العمومية منها يحتم على الطبيب أو الممرض تقديم العلاج في ظرف وجيز دون احترام الأولوية، ما يولد عصبية بين الطرفين تؤدي إلى حصول الاعتداء”.
واعتبر بالمناسبة أن حسن التواصل و التعامل مع المرضى ومرافقيهم، الذين غالبا ما يكونون في حالة نفسية صعبة، و توجيههم بالطرق الصحيحة، تشكل من بين الآليات التي تساهم في التخفيف من هذه الظاهرة، وبالتالي توفير الأريحية لفائدة الأطباء والممرضين أثناء تأدية عملهم و القيام بواجبهم.
وأبرز ذات المسؤول كذلك ضرورة وجود دائم لأعوان الأمن المكلفين بتأمين المرافق الصحية وبالعدد الكافي سيما على مستوى مصلحة الإستعجالات بمستشفى محمد بوضياف التي تعتبر من بين المصالح الصحية الأكثر عرضة لحالات الاعتداء بالولاية.
وتستقبل هذه المنشأة الاستشفائية يوميا أعدادا كبيرة من المرضى، في حين تتوفر على عوني (2) أمن فقط يعملان بالتناوب ليلا ونهارا، وتقتصر مهامهما على تدوين البيانات والمعلومات وليس التدخل لحماية الأطباء والممرضين، كما سجل رئيس مصلحة الوقاية بمديرية الصحة.
من جهة أخرى، تطرق المتحدث إلى ما تعانيه معظم المنشآت الصحية بولايات جنوب الوطن من نقص في الطواقم الطبية وشبه الطبية وكذا ساعات العمل الطويلة و انعكاسها المباشر على تفاقم هذه الظاهرة، مشيرا إلى أن “نقص اليد العاملة ولد ضغطا لدى الأطباء الممارسين وانعكس ذلك على طريقة معاملتهم للمريض، وهي تعد سببا مباشرا في حدوث مثل هذه الاعتداءات”.
بالرغم من جهود الدولة.. العنف مستمر
وتجدر الإشارة إلى أن الدولة اتخذت في الآونة الأخيرة عدة قرارات هامة بخصوص تدعيم التأطير الطبي بالهياكل الصحية بمناطق الجنوب.
وذكر من جهته المراقب العام المكلف بالإستعجالات بمستشفى محمد بوضياف، أن ظاهرة العنف في المؤسسات الصحية سواء اللفظية أو الجسدية التي تتعرض لها الطواقم الطبية و شبه الطبية وكذا تحطيم الأجهزة والمعدات، تفاقمت في الآونة الأخيرة سيما في الفترات الليلية بقسم الإستعجالات، ويكون في بعض الأحيان المعتدي في حالة سكر مما يصعب التحكم فيه.
ويرى ذات المتحدث أن تصاعد هذه الظاهرة بات يعرقل وبشكل “ملحوظ” عمل الأطباء، ويهدد أمنهم الوظيفي سيما الطبيبات المناوبات ليلا اللواتي كثيرا ما يتعرضن للشتم من طرف مرافقي المرضى وحتى المرضى أنفسهم إلى جانب اقتحام قاعات العلاج، مما يعرض المرضى في حد ذاتهم للخطر.
وأضاف أن الإطارات الصحية تعمل في “ظروف صعبة” وتحت ضغط يومي و اكتظاظ كبير، نتيجة الأعداد الكبيرة للمرضى الذين تستقبلهم هذه المنشأة الصحية، وهي الوضعية التي يمكن إدراجها بين أهم أسباب العنف.
الاستعانة بمؤسسات أمنية خاصة لتأمين المؤسسات الاستشفائية
واقترح مسؤول مصلحة الوقاية إمكانية الإستعانة بمؤسسات أمنية خاصة لتأمين المؤسسات الاستشفائية وتوفير الحماية و الأمن للطواقم الطبية وشبه الطبية لاسيما في الفترات الليلية، سيما وأن هذا الإجراء قد أثبت نجاعته بعدة قطاعات أخرى.
وبرأيه، فإن إبرام إتفاقيات مع تلك المؤسسات سيضمن توفير محيط عمل آمن لفائدة الطبيب والممرض، وبالتالي تقديم خدمة عمومية أمثل وضمان تكفل أفضل بالمريض.
وشدد أيضا على أهمية ردع مرتكبي التجاوزات، سيما بعد حادث الاعتداء الجسدي الذي تعرض له عون صحة مؤخرا على مستوى المؤسسة العمومية الجوارية بالمخادمة، تسبب له في أضرار بليغة.
وأجمع من جهتهم عدة مواطنين في انطباعات رصدتها “وأج” بمستشفى محمد بوضياف بمدينة ورقلة، على أن هذه الاعتداءات مصدرها “تردي الخدمات الصحية” المقدمة، إلى جانب نقص الطاقم الطبي الكافي على مستوى مختلف المصالح الطبية، خاصة بقسم الاستعجالات، وهذا الوضع يجعل المريض ينتظر طويلا ما يدخله ومرافقيه في نوبات غضب غالبا ما تؤدي إلى حدوث الاعتداءات.
ويذكر أن وزير الصحة و السكان و إصلاح المستشفيات محمد ميراوي كان أعطى تعليمات لمدراء الصحة بالولايات لرفع شكاوى أمام العدالة ضد المتسببين في العنف ضد مستخدمي المؤسسات الصحية.
وشدد الوزير خلال لقاء جمعه بمدراء الصحة لولايات الوطن بمناسبة الدخول الاجتماعي على “ضرورة رفع شكاوى و التأسيس كطرف مدني ضد كل المعتدين على مستخدمي الصحة وترك إجراءات العدالة تأخذ مجراها”، مؤكدا في ذات الوقت أنه “لا يحق لأي شخص مهما كانت الأسباب أن يقوم بهذه الأفعال المضرة و المعرقلة للقطاع بصفة عامة”.
ل.ب