– الدعوة لتنصيب مراكز شرطة داخل المدارس
– أساتذة يتعرضون للضرب من تلاميذهم
بلغ العنف في المدارس الخط الأحمر،
وأرجعت حادثة مقتل التلميذ كمال بوكرمة من ولاية سكيكدة أمام المتوسطة التي يدرس بها بعد تلقيه طعنات قاتلة أودت بحياته، الحديث عن العنف في المدارس إلى الواجهة، حيث بات الوضع خطيرا جدا ويستدعي تدخل السلطات العليا، خاصة وأن هذا الأخير يسير نحو تحويل المؤسسات التربوية إلى مسرح للعصابات، حيث أصبح التلميذ يقود هذه الأخيرة عن طريق شلة تضم بوجه خاص معيدي السنة والمنحدرين من عائلات ذات نفوذ يسعون لإزعاج زملائهم النجباء والبسطاء لرفض هؤلاء الانضمام إليهم، إضافة إلى المنحرفين الذين يتمركزون أمام مداخل وأبواب المؤسسات التعليمية.
وتتشابه الأحداث في نوعيتها وإن اختلفت في حدتها وفي تفاصيل وقوعها، حيث شهدت معظم المؤسسات التعليمية خاصة في المدن الكبرى التي تصدرت القائمة، حوادث لشجارات عنيفة أبطالها تلاميذ استعملت فيها مختلف أنواع الأسلحة البيضاء، ما جعل الوزارة وكل الفاعلين على أهبة الاستعداد لمحاولة السيطرة على الوضع.
إجراءات بيداغوجية للحد من الظاهرة
أكدت وزيرة التربية الوطنية، نورية بن غبريت، على خلفية مقتل التلميذ كمال بوكرمة حرص وزارتها على محاربة العنف في الوسط المدرسي بشكل “شامل ودائم”، عبر جملة من الإجراءات البيداغوجية والتّنظيمية والمؤسساتية.
وأوضحت الوزيرة أنّ الوقاية من العنف في الوسط المدرسي ومحاربته تعتبر من أولويات الوزارة، مبرزة حرصها على التكفل بهذه الظاهرة بشكل شامل ودائم. وشدّدت على أنّ ظاهرة العنف في الوسط المدرسي أخذت أبعادا مقلقة، ما يؤثر سلبا على المناخ السائد في الوسط المدرسي.
وبالمناسبة، ذكّرت المسؤولة الأولى عن القطاع بجملة من الإجراءات التي باشرتها الوزارة منذ سنتين لمحاربة هذه الظاهرة، مشيرة على وجه الخصوص إلى المضامين التربوية المبنية على مفهوم المواطنة والحس المدني وحقوق الطّفل، كما أكّدت على ضرورة مكافحة التسرب المدرسي، معتبرة أن مرافقة التلاميذ الذين يواجهون صعوبات في التعلم وتجنيبهم الرسوب من “المسائل التي تساهم في معالجة مسألة العنف”.
وذكرت في نفس السياق بضرورة مضاعفة عمليات تكوين موظفي القطاع في مجال الوساطة وتسيير النزاعات وكيفية الإصغاء إلى التلاميذ، خاصة في فترة المراهقة، وأبرزت أيضا أهمية مراجعة النظام الداخلي للمؤسسات التربوية وتفعيل ميثاق أخلاقيات القطاع والعمل على احترام القوانين التي تمنع اللجوء إلى العنف وتشجيع مشاركة التلاميذ في الحياة المدرسية وتنشيط لجان الإصغاء.
وبشأن الإجراءات ذات الطابع المؤسساتي، ذكرت الوزيرة بتنصيب اللجنة القطاعية المشتركة مع المديرية العامة للأمن الوطني قصد “إعداد اتفاقية تتضمن مخططا لمكافحة ظاهرة العنف في الوسط المدرسي ومخاطر العالم الافتراضي”، وكذا فوج العمل مع الشركاء الاجتماعيين الذي تم تنصيبه في سنة 2015.
كما أشارت إلى التوقيع في مارس 2016 على اتفاقية مع وزارة الدفاع الوطني ووزارة الداخلية والجماعات المحلية، التي تضع آليات للعمل المشترك في مجال تأمين وحماية المدرسة ومحيطها من العنف والوقاية من المخاطر التي قد تشكلها بعض مواقع الأنترنت من خلال تكوين الأساتذة وتوعية التلاميذ. وفي سياق متصل، أكدت الوزيرة على مهام المرصد الوطني للتربية والتكوين المتمثلة أساسا في وضع استراتيجية وطنية للوقاية من العنف المدرسي ومكافحته.
الظاهرة تفشت وتحذيرات من تحول المدارس إلى حرب عصابات
حذرت التنسيقية الوطنية للمساعدين التربويين من تفشي ظاهرة العنف بالمدارس، التي تطورت حسب ما صرح به منسقها الوطني مراد فرطاقي لـ “الموعد اليومي”، خلال السنتين الأخيرتين لتتخذ عصابات أبطالها تلاميذ يبسطون سيطرتهم على المدارس، يخافهم حتى الأساتذة والعمال بالمؤسسة التربوية، وأضاف المتحدث أنه ومن منطلق احتكاكهم اليومي بالتلاميذ، فإنه بات من الضروري تنصيب مراكز شرطة داخل المدارس للتصدي لهذا الانحلال الذي سيكون وراء ما يسمى بجرائم الصغار، واستدل المتحدث بمساعدين تربويين كانوا ضحية هؤلاء التلاميذ الذي قال إنهم يمثلون خاصة فئة معيدي السنة، وتلاميذ التحقوا بالمؤسسة بوساطة، وكذا المنتمين إلى عائلات ثرية يشترون حتى صمت المسؤولين بالمدارس بأموالهم.
في المقابل، دعا المتحدث الأولياء إلى ضرورة مراقبة أبنائهم باستمرار والتعرف على نوعية رفاقهم، لأنه كثيرا ما يقحم تلاميذ مسالمين كانوا يقصدون المدارس للتعلم واكتساب الشهادات، ليتحولوا بعد مدة قليلة إلى مشاغبين، فمتمردين ومن ثمة يقتحمون عالم الإجرام لاحقا، وسجل المتحدث نقص الاحتكاك بين الأولياء والأساتذة، على الرغم من أهمية ذلك لتبادل الطرفين المعلومات حول التلميذ، حتى يشعر هذا الأخير أنه تحت المراقبة وأن هناك أطرافا ترصد مصلحته وتقف في وجه أي تهور منه من شأنه التأثير على مستقبله.
نفس الرأي أكد عليه رئيس جمعيات أولياء التلاميذ الذي قال إن هناك أولياء يتحملون جزءا كبيرا من المسؤولية لتورط أبنائهم مع رفقاء السوء الذين يصبحون بمرور الوقت شركاء لهم في أعمال شيطانية يرتكبونها بالمدارس، وحسبه فإن ظاهرة العنف في الوسط التربوي استفحلت في السنوات الأخيرة نتيجة غفلة الأولياء وانشغالهم بأمور أخرى عن أهم مهمة لهم تجاه أبنائهم؛ وهي السهر على تربيتهم على الأخلاق الحميدة والسلوكات الإيجابية، حيث لا يتابع سوى فئة قليلة من الأولياء وضعية أبنائهم العلمية والأخلاقية بالمدارس، فساهم غياب هذه السلطة في فسح المجال للأبناء للتمادي، كما تسبب انشغال الأولياء في الركض وراء لقمة العيش، والسعي لتأمين سكن في فقدان زمام الأمور ليصبحوا غير قادرين على احتواء العنف الصادر عن أبنائهم سواء تجاه زملائهم في المدارس أو مع الأساتذة، ودق خالد أحمد رئيس الجمعية الوطنية لأولياء التلاميذ ناقوس الخطر بسبب تطور ظاهرة العنف نتيجة انتشار المخدرات وتدهور القدرة الشرائية ولاسيما عند العائلات المعوزة التي لم تعد ترى ضرورة في تتبع سلوكات أبنائها داخل المدارس ولو من باب الاطمئنان على تحصيلهم العلمي، كما حمّل في ذات السياق الأساتذة جزءا من المسؤولية، حيث كان الأستاذ مصدر خوف للتلاميذ، إلا أنهم فقدوا هذا لعدة أسباب كنقص التكوين، اتباع سياسة سد الأذان بالإضافة إلى خضوع البعض منهم للابتزاز بقبول مقابل مادي من أولياء بعض التلاميذ.
التلميذ أصبح مصدر خوف الأستاذ
أجمع ممثلو نقابات الاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين “أنباف” والمجلس الوطني لأساتذة التعليم الثانوي والتقني” كناباست” والنقابة المستقلة لأساتذة التعليم الثانوي والتقني “سناباست” على أن الأولياء قصروا كثيرا في تربية أبنائهم، وهو ما لمسه الأستاذ في قاعة التدريس أين أصبح تهديده للتلميذ باستدعاء وليه لا يؤثر به شيئا، والسبب حسب هؤلاء هو الإهمال الذي تزيد رقعته من يوم لآخر، فالأستاذ في نظر ممثلي الأساتذة يتعرض لعمليات انتقامية تصل حد ضربه وإلحاق الضرر بأبنائه، رغم أنه لا يكون في أغلب الأحيان سببا في القرارات الصادرة ضد بعض التلاميذ كفصلهم أو تحويلهم إلى أقسام جديدة، وهي قرارات تتخذها إدارة المؤسسة، كما ربط ذات المصدر الوضع بهشاشة الترسانة القانونية المنظمة للمؤسسات التربوية والتي سمحت للتلاميذ بممارسة العنف بحرية دون خوف من العقاب، حيث لا توجد مادة قانونية تنص على معاقبة التلاميذ المخلين بنظام المؤسسة، أو المسيئين للأستاذ الذي يفترض أن يحترمه تلاميذه، أما بخصوص الاتهامات الموجهة لهم من قبل الأولياء، فرد ممثلو الأساتذة بأنه حان الوقت للالتفات إلى أبنائهم عوض التركيز على أمور أخرى لأن التلميذ إذا سلك طريق رفاق السوء وأصبح يمتهن العنف يصعب تغيير سلوكه.
المشكلة استعصت وينبغي مضاعفة عدد النفسانيين بالمدارس
يرى المختصون في علم النفس أن ظاهرة العنف بالمدارس ازدادت حدتها، وسجلت تطورا واضحا أصبح بموجبه التلميذ يقود عصابة بالكامل تعمل على بت الرعب في المؤسسات التربوية، فحسب ما تحدث به المختص في علم النفس العربي بن الطيب لـ”الموعد اليومي” فإن الوضع بات خطيرا ، ويستدعي تجنيد مئات المختصين النفسانيين عبر المدارس بالنظر إلى محدودية عددهم حاليا على مستوى المدارس، حيث يشرف المختص الواحد حاليا على 400 تلميذ، فلا يعطي لنفسه الوقت الكافي لدراسة الحالة النفسية للتلاميذ جيدا، خاصة وأن حدة العنف تزايدت في الفترة الأخيرة وامتدت لباقي الأطوار بعد أن اقتصرت في السنوات الماضية على الطور الثانوي.