كلمات حزينة وألحان شجية نقلت الأحداث وحافظت على الذاكرة، منها “يا المنفي “.. “الطيارة الصفرا” الأغنيتان اللتان أسالتا الدموع ونقلتا عمق معاناة الجزائري وشجاعته وأمله في المستقبل.
بكلمات بسيطة فيها من الألم والقوة وألحان حزينة تحوي الشجن والعزيمة، كتب الجزائريون أغاني ثورية ساهمت في الحفاظ على الذاكرة الجمعية الوطنية وتعزيزها ببعض الأحداث اليومية التي كان الجزائريون يعيشونها خلال الحقبة الاستعمارية، فما بين أم ثكلى تبكي فقيدها وأخرى لا تدري أين زوجها وخائفة على صغارها، وابن بعيد لا يعرف كيف يوصل أخباره لأهله وشاب طامح إلى الحرية وغيرها من المشاعر التي تولدها الأحداث، ترجمت في كلمات وألحان تناقلتها الألسن حتى وصلت إلينا اليوم.
ظلت الأغنية الثورية الشعبية مصدر فخر واعتزاز لكل الجزائريين، وقد كانت انطلاقتها حسب العديد من المجاهدين من منطقة الأوراس الأشم، لعدة اعتبارات لها علاقة بكون منطقة الأوراس قلعة من قلاع الثورة وقبلها حصن من حصون المقاومة الشعبية، فما تلبث أن تخمد ثورة لتشتعل أخرى دفاعا عن الوطن ومقوماته وطردا للمستعمر الغاشم، إضافة إلى أن الأوراس الكبير، من أكثر المناطق تضررا من الاستعمار الفرنسي خاصة ما تعلق بالخسائر البشرية، حيث تؤكد المراجع التاريخية أنه لا يكاد يخلو بيت في منطقة الأوراس من اسم شهيد أو أكثر.
ويضاف لهذه الأسباب تلك المعاناة النفسية والجسدية الكبيرة والتي ترجمها سكان المنطقة إلى كلمات وألحان تعكس آلامهم وأوجاعهم وحتى أحلامهم، والأهم من كل ما سبق أن الأوراس شهد أهم حدث في تاريخ الجزائر، الثورة التحريرية وهو انطلاق الرصاصة الأولى من جبال الأوراس، إيذانا بحرب تحريرية شاملة لاستعادة الحرية والدفاع عن الأرض والعرض والوطن.
الأغنية الشعبية.. كلمات مشفرة لتبادل المعلومات بين المجاهدين
لعبت الأغنية الثورية دورا بارزا خاصة في نقل الأخبار وإعلام المجاهدين بتحركات العدو وتنقل كل ما استجد بالمنطقة، وتحذرهم من أي طارئ أو حصار وذلك باستعمال كلمات مشفرة تحمل دلالات ومعان كثيرة، يفهمها المجاهدون فيما بينهم، وقد كانت أغلب الرسائل الثورية تصل عبر الأغنية، حيث يقوم أحد بترديد أغنية فيها رسائل مشفرة وينقلها إلى غيره وهكذا حتى مع تواجد جنود الاستعمار الفرنسي في تلك المنطقة، فيسارع الثوار والمواطنون إلى التواصل مع بعضهم البعض عن طريق الأغاني، وكثيرا ما قام الاستعمار الفرنسي باعتقال العديد منهم بحجة نقلهم لرسائل عن طريق الغناء، ومثلا إذا أراد المجاهدون إرسال وثائق مهمة لها علاقة مباشرة بالثورة تكون الرسالة على الشكل التالي:
“وعلاش علاش يا مروانة….فالتيليفون لا تكلمني….الطوموبيل راهي تجري….وإن شاء اللّه إفرج ربي” ومعنى ذلك “أرسل الوثائق بسرعة وحذاري من المستعمر وعملائه وإن شاء الله ستتم العملية بخير”.
… وللتعبير عن الآلام وشحذ الهمم
وهناك بعض الأغاني التي عبرت عن حالة نفسية معينة أو تخوف من شيء ما كهذا المقطع “يا ربي سيدي واش اعملت انا ووليدي.. أنربي أنربي فيه وفي الأخير أداتو الرومية”، وجاءت هذه الأغنية عندما بدأ الاستعمار الفرنسي يجند إجباريا الجزائريين، وتعبر عن “حرقة” الأم لفقدانها ولدها.
وهناك أغاني للترغيب في الجهاد والحث على الالتحاق بالجبل لاستعادة الكرامة والحرية كهذا المقطع “زوج ذراري طلعوا لجبال… هزوا السبتة زادو الرفال… ضربوا ضربة جابوا رشار… يا حمودي نجمة وهلال”.
وللتعبير عن تضحيات المجاهدين الذين دفعهم حب الوطن إلى التضحية بأشياء كثيرة لدرجة أنه ليس لهم الوقت الكافي لتناول الأكل كون السلاح في كتفهم، نجد هذا المقطع: “ماينا للرجال ماينا ليهم .. إيباتوا فالجبال البرد عليهم.. الفوشي فالأكتاف والعوين في يديهم”.
الأغنية الثورية بحاجة إلى توثيق
رغم رسوخ الأغنية الثورية في الموروث الجزائري والذاكرة الجمعية إلا أنها في حاجة ماسة إلى التوثيق حفاظا على تاريخها الذي هو جزء كبير ومهم من ذاكرتنا التاريخية، وتوافق القائل بأن الأغنية الثورية في تراجع مستمر بسبب نقص الاهتمام بها على عكس الدول الأخرى الصديقة والشقيقة والتي ما تزال مهرجاناتها تولي أهمية قصوى للأغنية الثورية، رغم أن الجزائر وحدها من لها من التاريخ الثوري ما يجعلها تنجز مكتبات موسيقية، خاصة وأن الأغنية الثورية ساهمت في تحقيق انتصارات معنوية كبيرة للجزائريين أرقت الفرنسيين، لذا كان الحفاظ عليها حفاظا على الهوية واحتراما للتاريخ وصونا لذاكرة الجزائر.
“يا المنفي” أغنية تنقل واقع المعتقلين الجزائريين
“يا المنفي” من أشهر الأغاني الجزائرية منذ أيام الثورة الجزائرية وتتحدث عن معاناة المعتقلين الجزائريين في سجون الاحتلال الفرنسي، وهي مؤثرة للغاية في كلماتها ولحنها إلى درجة أبكت الكثير ممن سمعوها وتقول كلمات مطلعها:
قولوا لامي ما تبكيش يا منفي ولدك ربي ما يخليش يا منفي
وكي داخل في وسط بيبان يا منفي والسبعة فيهم جدعان يا منفي
وقالولي كا شي دخان يا منفي وانا في وسطهم دهشان يا منفي
قولوا لامي ما تبكيش يا منفي ولدك ربي ما يخليش يا منفي
كي دوني لتريبينال يا منفي جدارمية كبار وصغار يا منفي والسلسلة توزن قنطار يا منفي ودربونى بعام ونهار يا منفي
قولوا لامي ما تبكيش يا منفي ولدك ربي ما يخليش يا منفي
ع الدخلة حفولي الراس يا منفي واعطوني زوره وباياس يا منفي ويلفوا علينا العساس يا منفي على الـ 8 تسمع صفار يا منفي قولوا لامي ما تبكيش يا منفي ولدك ربي ما يخليش يا منفي
يا قلبي وشداك تعيف يا منفي والصبة دايما كيف كيف يا منفي الجالون معمر بالماء يا منفي والقريلو عايم فيها يا منفي
قولوا لامي ما تبكيش يا منفي ولدك ربي ما يخليش يا منفي اصبري يا امي ما تبكيش يا منفي ولدك ربي ما يخليش يا منفي
الأغنية الأكثر انتشارا إبان الثورة التحريرية.
“الطيارة الصفرا”.. رسخت شعور طفل يتوسل من الطائرة ألا تقصف منزله
طائرة صفراء كانت دائمة التحليق في منطقة سطيف طيلة أعوام 56 و 57 و 58 .. تلك الأيام الخالدة من ثورتنا المجيدة.. وكانت الطائرة الصفراء مخصصة من طرف المستعمر.. لضرب معاقل مجاهدينا في الجبال والهضاب.. وكذا للاستخبار واستكشاف المواقع..
وترسخ هذه الأغنية الشعبية تلك الأيام وتصف شعور الطفل الذي توسل للطائرة لكي لا ترمي منزله بالقنابل ..وتقول كلمات هذه الأغنية
الطـيـارة الصـفـرا احـبـسـي ما تـضربيش…. احـبـسـي ما تـضربيش
نـسـعـى راس خــويـا المـيـمـة مـاتـظنـيـش.. والمـيـمـة مـاتـظنـيـش
نطلع للجبل نموت *** نموت وما نرديش نموت وما نردش
الله الله ربي رحيم الشهداء رحيم الشهداء
الجندي لي جانا *** وطرحنالوا الفراش وطرحنالوا الفراش
سمع فرنسا جات *** القهوة ما شربهاش القهوة ما شربهاش
الله الله ربي رحيم الشهداء رحيم الشهداء
خـويـا فـارح للــدنـيـا ويـلا طـالـت بـيـه.. ويـلا طـالـت بـيـه
الـضـيـف اللـي جــانـا طــرحـنـالــو لـفـراش.. طــرحـنـالــو لـفـراش
داتـــو الـحـركـيـة.القـهوة ماشربهاش…القهوة ماشربهاش
الله الله ربي رحيم الشهـداء رحيم الشهداء
خـويـا فـارح للــدنـيـا ويـلا طـالـت بـيـه.. ويـلا طـالـت بـيـه
الضيـف اللي جانا.يكركر فالبرنوس… يكركر فالبرنوس
هـو سـي عـميـروش ونــا ماعـرفـتـوش… ونــا ماعـرفـتـوش
الله الله ربي رحيم الشهـداء رحيم الشهداء
خـويـا فـارح للــدنـيـا ويـلا طـالـت بـيـه.. ويـلا طـالـت بـيـه
وســــي يالـمـيـمـة اســي ماتبكيش… اســي ماتبكيش
ولـيـدك مـجـاهـد رايـح مايوليــش.. رايـح مايوليــش
لمياء بن دعاس