أطلق الجزائريون حملة وطنية تمتد عدة أيام لمقاطعة مواد غذائية واستهلاكية تشهد أسعارها ارتفاعاً كبيراً لا سابق له، خصوصاً اللحوم البيضاء والبقوليات الجافة والقهوة والزيت، والتي يعتبرون أن لا مبررات اقتصادية لرفعها، في ظل تراجع قدرتهم الشرائية بدرجة كبيرة، ما جعل هذه المواد تتكدس فعلياً في المحلات والأسواق الكبيرة. وتقف جمعيات تنشط في مجال الدفاع عن حقوق المستهلك وراء حملات المقاطعة.
لم يخطر على بال أي جزائري أن سعر لحم الدجاج سيصل إلى 500 دينار للكيلوغرام الواحد، وأن يرتفع سعر حبوب العدس والحمص خلال أسبوع بنسبة أكثر من 150 في المائة، وتحديداً من 120 دينارا للكيلو الواحد إلى أكثر من 250 دينارا، فهذه الأسعار لا يمكن أن يتحملها الجزائريون، في ظل التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لأزمة وباء كورونا التي جعلت الآلاف يخسرون مناصب عملهم.
وإزاء هذا الوضع، لم يجد الجزائريون وجمعيات حماية المستهلك إلا حل شن حملة لمقاطعة شراء الدجاج والبقوليات، لمحاولة إجبار التجار والباعة والمنتجين على خفض الأسعار ومراعاة الظروف الاجتماعية.
ودعت المنظّمة الجزائرية لحماية وإرشاد المستهلك، المواطنين، إلى مقاطعة شراء لحوم الدجاج التي تضاعف سعرها ثلاث مرات. واتخذت الحملة وسم: “خليه يربي الريش” (دعه يصبح بريشه)، وطالبت بوضع سعر محدد للمنتجات من أجل حماية القدرة الشرائية للمواطنين، خصوصاً الفقراء ومحدودي الدخل، وبتدخل الحكومة ووزارة التجارة لتنظيم ومراقبة أسعار الأسواق، وضبط هامش الربح المقبول، بدلاً من انتهاز الظروف المعيشية الصعبة، وغياب الرقابة.
ويعتقد جزائريون كُثر بأن الضّغط على التجار يشكل الوسيلة الأكثر نجاحاً لفرض حدّ أدنى من ضبط الأسعار. وقد تفاعل عدد كبير من المنتمين إلى مختلف الطبقات الاجتماعية مع الحملة. وتقول السيدة صوراية وهي موظفة “أدعم الحملة وأشارك فيها عبر مقاطعة شراء الدجاج منذ أن ارتفع سعره بشكل جنوني، وأرى أن الخطوة الجماعية ستدفع إلى تحسين القدرة الشرائية”. تضيف: “تتوافر المنتجات في الأسواق، لكنها ليست في متناول كل الطبقات الاجتماعية، خصوصاً ذوي الدخل المتوسط والمحدود، علماً أن رفع أسعار المواد الاستهلاكية والبقوليات تزامن مع الدخول الاجتماعي وما رافقه من مصاريف”.
وليست هذه المرة الأولى التي ينفّذ فيها الجزائريون حملات لمقاطعة منتجات ارتفعت أسعارها. وفي عام 2018، أطلقت حملة لمقاطعة شركة تركيب سيارات محلية بعنوان: “خلّيها تصدّي (اتركها تصدأ)”، احتجاجاً على رفع سعرها بشكل جنوني في السوق، وأخرى بعنوان “ما نشريش (لا نشتري)” التي عارضت ارتفاع أسعار اللحوم قبل شهر رمضان عام 2019. وأطلقت غالبية الحملات من الفضاء الافتراضي، وتحوّلت إلى حملات مقاطعة تطالب بخفض الأسعار، لكن لا دراسات واضحة لمدى نجاح هذا النوع من حملات المقاطعة الشعبية.
ويرى أستاذ علم الاجتماع السياسي فريد بوهالي أن “حشد الجمهور عبر شبكة المعلوماتية قد يغذي الوعي الجماعي، رغم أنها تشبه دعوة زبون إلى تحديد أسعار أو امتلاك اليد الطولى في خفضها”. ويقول إن “المقاطعة في العالم الافتراضي، ليست لها نفس وتيرة تلك التي على الأرض، لذا يجب أن تتحوَّل من أداة للحشد عبر شبكات التواصل الاجتماعي إلى واقع ميداني حقيقي يترافق مع توجيه رسائل لكل شرائح المواطنين، تفيد بأن الأسعار لن تنخفِض من دون تحرّك جماعي يرفض إفراغ جيوب الجزائريين، أو تجويعهم وإذلالهم بسبب غلاء الأسعار”. ويرى خبراء أن حملات المقاطعة “ترتبط بسلوك نفسي لدى المواطنين، وتستهدف تغيير سلوكهم الاستهلاكي من أجل استعادة مستوى أسعار مقبول”.
القسم المحلي