حماية المستهلك في الإسلام

حماية المستهلك في الإسلام

إنَّ العدالةَ الاجتماعيَّةَ في المعاملةِ الإنسانيَّةِ تقتضي أن يرعى النَّاسُ حقوقَ وحاجاتِ بعضِهم البعض، وأن لا يكونَ أيٌّ منهم سببًا في تضييقِ عيشِ الآخرِ والإضرارِ بمصالحِه، فذلك مما تكرهُ الفطرةُ السليمةُ وتترفعُ عنه الطبيعةُ الإنسانيةُ، ويتنافى مع موجباتِ العلاقاتِ الاجتماعيةِ، وقبل ذلك تُحرِّمُه و تُجرِّمُه الأديانُ السماويةُ؛ ذلك لأنه مُسبِّبٌ للفرقةِ مُستَنبِتٌ للكراهيةِ والضغينةِ، مُولدٌ لثقافةِ الحقدِ والبغضاءِ بين الناسِ، وهو بهذا داخلٌ ضمنَ الإثمِ والعدوانِ الَّذي نَهى اللهُ عنه بقوله ” وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ” المائدة: 2، وإنَّ القواعدَ والمبادئَ التي يشتملُ عليها دينُنا، ويقفُ معها وقفةً جادَّةً من غيرِ مجاملةٍ، فيها حمايةُ الإنسانِ من كلِّ ما يضرُّ بمصالحِ دنياه وأسبابِ عَيشِه، أو يقفُ مانعًا أو مُعرْقِلا عن نيلِ مُتطلَّباتِه الضَّروريَّةِ واحتياجاتِه الاستِهلاكيَّةِ، التي يعتمدُ عليها قِوامُ حياتِه، وترتكزُ عليها عواملُ بقائِه، من مطعومٍ أو مشروبٍ أو ملبوسٍ، ونحوِها من الأدواتِ والوسائلِ التي يتطلّبُها استهلاكُه المعيشيُّ، ولا يمكنُه الاستغناءُ عنها في أيِّ وقتٍ من الأوقاتِ.

والنَّبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام يقول: “لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ”. ويقولُ الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم “خيرُ الناسِ أنفعُهم للناسِ”، ويقول عليه الصَّلاة والسَّلام في مَن يحتكرُ: “لا يَحتكرُ إلاَّ خاطئٌ”، وفي بيعِ الغَرَرِ وهو الخطرُ والخدعةُ، وهو البيعُ المجهولُ العاقبةِ فمبناه على الجهالةِ، إمَّا في المبيعِ أو في الثَّمنِ يقولُ أبو هُريرة رَضِيَ اللهُ عَنْه “نَهى النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن بيعِ الغررِ”. وفي الغشِّ والتدليسِ يقول عليْه الصَّلاة والسَّلام “مَن غشَّنا فليس منَّا”. كما حرم الإسلامُ التلاعبَ بالأسعارِ عن طريق النَّجَشِ؛ وهو: أن يزيدَ الإنسانُ في ثَمنِ السلعةِ وهو لا يريدُ شِراءَها إنَّما فقط لدفعِ الآخرين لشرائِها، وقد يكون ذلك بتواطُؤٍ بين البائعِ والنَّاجشِ؛ يقول عليْه الصَّلاة والسَّلام ناهيًا عن ذلك: “ولا تناجشوا”.
لقد حَمَى الإسلامُ المستهلكَ من كلِّ إجحافٍ بحَقِّهِ، فوضع له قواعدَ وضوابطَ تحميه من كلِّ ضررٍ يؤدِّي به إلى الخسارةِ، فحماه من نفسِه ونهاه صيانةً لمالِه من السَّرَفِ والتَّبذيرِ عند الشراءِ، وعلى مستوى الإنتاجِ وفَّرَ له المنتجَ المباحَ الطيِّبَ ذا الجودةِ العاليةِ، وذلك بالحثِّ على إتقانِ الصّنعةِ حالَ الإنتاجِ، فالرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: “إنَّ اللهَ يحبُّ من أحدِكم إذا عمِلَ عملاً أن يُتقِنَه” فيتجنَّب به السلعَ الرَّديئةَ والمنتجاتِ المغشوشةَ. وعلى مستوى التَّسويقِ، حماه الإسلامُ من البيوعِ المحرَّمةِ والتداوُلاتِ الممقوتةِ، كمساومةِ الإنسانِ على سوْمِ أخيه أو أن يبيعَ على بيعِه ونحوِ ذلك، يقول عليه الصلاة والسَّلام ” لا يبِعْ بعضُكم على بيعِ أخيه” ويقول عليه الصَّلاة والسَّلام “لا يَسُمِ المسلمُ على سَومِ المسلمِ”، كما حرَّمَ الإسلامُ كلَّ ما من شأنِه رفعُ الأسعارِ بلا مبرّرٍ؛ ممَّا يسبّب الإضرارَ بالمجتمعِ المسلمِ. فالالتزامُ بالقواعدِ الإسلاميَّةِ والرفقُ بالنَّاسِ يحقّقُ لهم خيرَ الدنيا والآخرةِ، ويصلُ بهم إلى برِّ الأمانِ.

من موقع الالوكة الإسلامي