قال الشاعر مفدي زكريا “تلمسان مهما أطلنا الطوافا * إليك تلمسان ننهي المطافا”، وهو ما ينطبق فعلا على حمام شيغر الذي يعود إليه كل باحث عن العلاج مهما دار وارتحل.
عندما يتحدث الجزائريون عن استجمام المسنين وتداويهم من بعض الأمراض التي تلازم التقدم في السن، والتي يمكن للتطبيب الحديث أن يعلن عجزه عن مداواتها، يتجه الحديث إلى الحمامات المعدنية المنتشرة في الجزائر وعبر مختلف ربوعها، ونحط رحالنا اليوم في أحد أهم هذه الحمامات، هو حمام “شيغر” بمدينة مغنية بولاية تلمسان الذي ذاع صيته وأصبح قبلة الباحثين عن الراحة والراغبين في الاستجمام.
القبلة الأولى للباحثين عن الراحة
فقد تحوّل حمام شيغر بأقصى الغرب الجزائري إلى القبلة الأولى للعديد من المواطنين الراغبين في الراحة والاستجمام عموما، والباحثين عن الشفاء من مختلف الأمراض المزمنة والمتعلقة بآلام المفاصل والعظام، لا سيما المصابين بحصوات الكلى على وجه الخصوص، ولم يقتصر الأمر في حمام شيغر على الاغتسال، بل تعداه إلى شرب مياهه التي يقولون إنها تقوم بتكسير الحصيات التي تتكون في كلية الإنسان، ولهذا تقوم فئة واسعة من الزوار بالتهافت على حمام شيغر لطلب الشفاء عن طريق شرب المياه المعدنية، للتخلص من أمراض الكلى وحتى الوقاية منها .
اكتشاف النبع وبداية قصة أخرى مع العلاج
يعود أصل اكتشاف منبع حمام شيغر إلى سنوات التسعينيات من القرن الماضي، أين اكتشف سكان مغنية مياها الباطنية التي تنبع من باطن أعماق الأرض بداخل غابة مغنية وذاع صيت تلك المياه المعدنية المنبعثة من باطن الأرض ليصل إلى كامل القطر الجزائري، حتى صارت مزارا لكل الزوار القاصدين حمام شيغر المعدني بعد أن وصلت أسماعهم ما يقولونه عن مياهه وقدرتها العجيبة سواء في علاج أمراض العظام والمفاصل أو لاعتقادهم بإمكانية شفائهم من حصوات الكلى.
خبراء أجانب يؤكدون قدرات مياه حمام شيغر
لم تقتصر شهرة حمام شيغر على الجزائريين فحسب، وداخل حدود الوطن بل تعدت شهرتها الآفاق لتبلغ إلى ما وراء الحدود، وما وراء البحار أيضا، ولما بلغت شهرتها الحدود، أتت مجموعة من الخبراء الأجانب، وقاموا بإجراء تحاليل مخبرية لهذه المياه فاكتشفوا المفاجأة التي أثبتت كل ما قيل عن حمام شيغر، فبعد التحليل تأكدوا بأنها صحية وتحتوي على مواد معدنية مفيدة في علاج مرضى الكلى وأمراض مزمنة أخرى كالضغط الدموي، كما أرجعوا سر ذلك إلى ماء شيغر الذي كلما زاد المريض شربا منه ازداد عطشا وظمأً.
نبع شيغر… قبلة المرضى والأصحاء
تتوافد السيارات على حمام شيغر من كل ولايات الوطن مشكلة ازدحاما ملحوظا خاصة أيام العطل ونهاية الأسبوع، وهذا لا يعود فقط إلى توجه الناس للاستجمام، بل يتوجه الكثيرون إلى هذا المكان قصد جلب مياه عين الشيغر المتواجدة بمنطقة مغنية نظرا للحكمة والغاية المحمودة من هذا الماء، ولشربها على مدار الأيام من طرف كافة أفراد العائلة وليس فقط المرضى منهم، ويبقى المصابون بداء حصوات الكلى على رأس قائمة المتوافدين للمنطقة لقدرة هذه المياه على تفتيتها.
ويصطف زوار حمام شيغر عند مداخله في نظام، كل ينتظر دوره وكأنهم أمام عيادة طبية في انتظار طبيب على يديه يتأملون الشفاء، فهم يقصدون عين حمام شيغر من كل مناطق الوطن، من غربه وشماله وشرقه وجنوبه، كلهم أمل في العودة إلى الديار بصحة وعافية أو على الأقل يحملون بين أيديهم بلسم الشفاء.
شيغر.. حالة تهميش وترقب الالتفاتة
المؤسف في الأمر ما يلاحظه زوار حمام شيغر الذين يجدون أنفسهم في مواجهة بعض المصاعب التي لا يُفترض أن تكون في مكان بهذا الحجم، فحمام شيغر لا يتوفر على مختلف الخدمات والمرافق التي يحتاجها الزوار القادمون من بعيد، فلا فنادق خاصة ولا مطاعم، فالزوار يجدون أنفسهم في مواجهة معاناة كبيرة خاصة من ناحية الأكل، فهذه المنطقة السياحية الرائعة بطبيعتها وبمياهها المعدنية جلبت آلاف الزوار الآتين من كل مناطق الوطن، تعرف حالة تهميش كبيرة وإهمال غير مفهوم من طرف السلطات المحلية والجهات الوصية..
وعليه، فإن وزارة السياحة مطالبة بالتدخل العاجل لإعادة الاعتبار لهذه المنطقة التي بهرت الزوار بطبيعتها وخزائن كنوزها التي أرجعت الأمل للعديد من المرضى، إلا أنها في ذات الوقت باتت تنقل صورة متدهورة عن واقع السياحة الحموية في الجزائر وما تعانيه من الإهمال والتقصير.
زاروا نبع شيغر فكتب الله لهم الشفاء
تحدثنا مع بعض من زار حمام شيغر لمعرفة مدى صحة ما يُقال عن هذا النبع الطبيعي الذي حباه الله بقدرات علاجية كبيرة، فقالت لنا السيدة نادية من الجزائر العاصمة، التي زارت حمام شيغر لتعالج من مرض الحصى في الكلى، حيث اضطرها المرض لإجراء عملية جراحية لم يتم فيها إزالة كل الحصى، وحين سمعت بخبر عين حمام الشيغر لم تتردد في التوجه إليه والشرب من ماء نبعه لمدة شهر ونصف، وخلال هذه الفترة زالت عنها تلك الآلام الحادة، فعاودت زيارة طبيب خاص لتجري الفحوصات، فلم يجد الطبيب للحصى أثرا في الكلى، فألغى العملية المبرمجة وهذا حسب قولها .
أما السيد اسماعيل من مدينة تيبازة فهو الآخر قال إنه أخذ والده للعلاج من مرض الحصى في الكلى أيضا، هذا الأخير الذي يعاني منه منذ عامين ولم ينفع معه دواء الأطباء، وحين سمع بمياه شيغر أصر على الذهاب، وهذا ما كان فعلا، حيث بدأ يشرب من مائها باستمرار لمدة أسبوع، ويضيف السيد اسماعيل أن والده تعافى من المرض وسقطت منه الحصى.
التداوي بالماء والخرافة
عندما يتحدث الجزائريون عن استجمام المسنين وتداويهم من بعض الأمراض التي تلازم التقدم في السن، والتي يمكن للتطبيب الحديث أن يعلن عجزه عن مداواتها كالروماتيزم وأمراض العظام والمفاصل، يتجه الحديث بشكل مباشر إلى الحمامات المعدنية المنتشرة في مناطق مختلفة في الجزائر، ويختلط الحديث هنا بين الخرافة الاجتماعية والحقيقة العلمية، فالحمامات المعدنية التي يوجد معظمها بالولايات الداخلية للجزائر كانت إلى وقت غير بعيد قلب الثقافة السياحية لدى الجزائريين، لولا الأزمة الأمنية التي ضربت الجزائر خلال العشرية السوداء منذ بداية التسعينيات وجعلت الولايات الداخلية للجزائر معقلا للجماعات المسلحة التي نشرت الخوف والموت وحرّمت هذه الحمامات على الجزائريين، ولكن ومع الانفراج الأمني وعودة الاستقرار إلى البلد، عادت هذه الثقافة إلى وسط المجتمع، كما أعادت إلى الأذهان تلك القصص والروايات التي تتناول قدرات المياه المعدنية فيها بعض الحقيقة والكثير من الخرافات التي جعلت المياه التي وهبها الله للطبيعة قصصا عن أسباب نبعها وقدراتها العجيبة التي أثبت العلم بعضها، ليظل البعض الآخر موجودا فقط في عقول بعض الناس .
عشرات الأحواض تنتظر الالتفات
يذكر أن أرض الجزائر تزخر بعشرات الأحواض والحمامات المعدنية الطبيعية التي تعول عليها السلطات في بناء قاعدة متينة لـ “سياحة حمامات معدنية”، تجذب السواح المحليين وخصوصا الأجانب، وهذا لتطوير الجانب السياحي الذي تتوفر بلدنا على إمكانيات هامة للنهوض به، وبالنسبة للمنابع الحموية المستغلة تقليديا التي تفوق 50 منبعا، فهي مؤجرة من البلديات لخواص عن طريق المزاد العلني من دون الحصول على حق الامتياز القانوني الذي تمنحه وزارة السياحة.
لمياء بن دعاس