قررت أن أروي حكايتي وربما تصلكم وتكون روحي صعدت للسماء.. قصتي ستكون مع مرض فتاك!
أنا فتاة عمري 25 سنة، كنت فتاة طائشة واعذروني على هذا الكلام، سأبوح بكلام تستحي منه الوجوه، ولكن هذه حقيقتي ولن أهرب منها، فللأسف الفأس وقع على الرأس.
كنت فتاة شوارع بعد أن هربت من منزلي العائلي بسبب ظروفنا القاسية. بعد خروجي اختلط الحابل بالنابل، فتعرفت على شاب أصبحت أعيش معه في غرفة واحدة، نأكل ونشرب من إناء وصحن واحد، حتى المنشفة التي نستعملها واحدة، وقد ذهبنا إلى أبعد من هذا..
كانت حياتي كلها دعارة وضياع، عشت مع ذاك الشاب أكثر من سنة، لكن لم أكن أعلم بأنه مصاب بذاك المرض “السيدا”، أخفى مرضه حتى لا أتركه، لم أهتم بالموضوع ولم أضع له مكانا في الذهن، بل واصلت حياتي اليومية، وفي أحد الأيام أحسست بشيء داخلي غير عادي، انهارت قواي، حمى تأكلني، فقلت ربما مجرد حمى وستزول؟ وبعد أيام توجهت للمستشفى، دخلت وانتظرت دوري وبعدها توجهت لغرفة الطبيبة، أخبرتها ما حصل لي فطلبت مني مباشرة القيام ببعض التحاليل لتتأكد من شيء، ظننتها مجرد تحاليل عادية، فاتجهت نحو المخبر، بعدما أجريتها طلبوا مني العودة بعد يوم ستكون النتائج جاهزة، وكعادتي لم أهتم بما طلبوا مني بما أني استعدت عافيتي.
بعد مرور أسبوع وإذا بي ألمح اتصالا فتحته، فإذا بها تقول الآنسة كذا.؟ فأجبت نعم، حينها أدركت أنها الممرضة نسرين، فطلبت مني الحضور في الحين، وفعلا ذاك ما حصل ذهبت ولكن وإذا بخطواتي تتثاقل شيئا فشيئا، أقسم بالله إنها أول مرة أشعر بهذا الإحساس الرهيب، سرت نحو الغرفة، طرقت الباب، فإذا بي ألمح الطبيبة تحمل ورقة بيدها، طلبت مني الجلوس عدة مرات فرفضت، لا لشيء سوى أني كنت أحس باضطراب غريب، سألتها ماذا يحدث وكيف كانت النتائج؟ أكيد لاشيء فيها.{صدقوني لاأزال أتذكر ملامح وجهها الكئيبة} رفضت الكلام، لكن أصريت عليها أن تخبرني ماذا يوجد بها؟ وفجأة أسمع أنثى مصابة بمرض السيدا تقول: “لم يتبق لك سوى شهر”.. ترددت كلمة شهر في أذني مرات ومرات حتى أغمي علي ولم أعي بنفسي إلا وأنا على فراش الموت، نعم استيقظت وأنا بمكان لم أعتد عليه وبسرير لم أفكر به مطلقا، نعم فراش المرض وأي مرض! إنه الإيدز، فنزلت دمعات حارقة من عيوني اكتوى بها قلبي.
ماذا تبقى لي؟ وماذا سأفعل؟ ماذا سأصحح في حياتي؟
للأسف كل شيء ضاع، لم يبق لي شيء، دارت بذهني أسئلة كثيرة ولكن دون جواب؟
خرجت من ذاك المستشفى وعدت للشارع، ذاك الشارع الذي قضى على أحلامي وهتك عرضي، عدت وانزويت في تلك الغرفة التي عشنا فيها أنا وذاك الشاب، لكن ليس كعادتي بل عدت إليها وأنا محمّلة بأتعاب، بآهات، بآلام.
اتخذت زاوية من تلك الغرفة وأصبحت انطوائية لدرجة لم أرَ النور منذ ذلك اليوم، لم يشعر بي أحد، بل أصبحت مهمشة من الكل، أتعرفون لماذا؟ لأني أحمل بجعبتي مرض الموت البطيء، نعم الكل رحل عني حتى من أحببته وكان سببا فيما أعانيه، حزم أمتعته لأنه رفض أن يتكفل بمن تعيق حياته.
بقيت نهاري وليلي أعاتب نفسي، كيف ولماذا؟ وأندب حظا لازمني، لا أهل لي يسألون عني ويخففون عني آلامي، لا أم تحن علي، لم يعد لي أحد سوى دمعات نتقاسم بها المعاناة، مر 20 يوما على مرضي، وأصبحت في صراع مع الزمن وليت الزمن يتوقف، فأعيد بناء ما أضعته.
سردت حكايتي مع لياليَ الصعاب وآهات تنخر الفؤاد، أصبحت هزيلة لدرجة تغيرت كل ملامحي، ويمر يوم بعد يوم، يومان فقط على اكتمال الشهر، آه ما أقساها من لحظات.. اشتقت لنور الصباح، أريد أن أودع الناس، لكن أخشى نظرتهم لي، هل سيشفقون علي أم يقولون تستحق ما حدث لها، هذه قصتي مع الداء، رويت لكم جزءً من المعاناة، ولكن من سيتذكرني بعد موتي ويخبرني من سيتذكرني، من سيحزن على فراقي؟ أرجوكم دعوة لي في قبري تكفيني، فلا تنسوا انسانة رحلت بكل الأتعاب، أتعاب مزقتني أشلاء وأشلاء.
سأرحل، سأغمض عيناي لأني سأذهب إلى مكان بعيد ولن أعود، سأرحل أنا وصديقي الذي لم يمهلني سوى شهر للحياة؟
فهل ستكتبون عني بعد الرحيل؟
توقيع: نوال الجزائرية