حق مكفول وحياة كريمة وسط الجزائريين, الجيل الثاني من السوريين المولودين في الجزائر .. من رحم الأزمة إلى حضن الأمن والسلام

elmaouid

عرفت الجزائر توافدا كبيرا للأشقاء السوريين منذ بداية الأزمة السورية سنة 2011، ومع مرور السنوات اندمج الكثير منهم في المجتمع الجزائري، الذي رحب بهم وبعائلاتهم ليولد من أصلابهم جيل مزج بين دمائه

الشامية والحياة الجزائرية، حيث لا تفرقة ولا تمييز على خلاف بعض الدول التي يعيش فيها اللاجئون السوريون كمواطنين من الدرجة الثانية.

امتزاج اللهجة السورية والجزائرية هو أول ما يميز أبناء السوريين من الجيل الثاني أو الذين ولدوا هنا بالجزائر، وهو ما يعكس ازدواجية هويتهم، فهم سوريون الأصل حملهم رحم الجزائر، حالهم حال العشرات من الأطفال السوريين الذين ولدوا في مستشفيات بلدنا، وانصهروا في النسيج الاجتماعي العام، بعدما لجأت عائلاتهم إلى أراضي الجزائر، هربا من شبح الأزمة الأمنية، معلنين بذلك عن ميلاد جيل جديد هو ثمرة الحرب والسلم، في وقت يعيش غيرهم من الأطفال معاناة التفرقة وشبح انعدام الهوية في العديد من دول اللجوء الأخرى.

سمية هي عينة عن أبناء الجيل الثاني من السوريين الذين ولدوا في بلدان اللجوء بعد الأحداث التي عرفتها سورية، وعددهم  بالإجمال، حسب آخر تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” 3.7 مليون طفل، من بينهم 306 آلاف ولدوا في بلدان مجاورة لسوريا، أو في الجزائر، التي  فتحت لذويهم أبواب اللجوء والاستقرار، دون شروط بداية من سنة 2011، وحتى قبل الأزمة بكثير، تلبية لنداء الإنسانية و التزاما بمبدئها الداعم للشعوب والمعروف عنها عالميا والذي تؤكده الحكومة والشعب الجزائريان خلال كل مناسبة.

 

من صلة الإنتماء العربي إلى صلة الأرض والدم

خلق تواجد السوريين بالجزائر جيلا لا يربطه بالجزائر الإنتماء العربي و الإسلامي والحضاري فحسب، بل تعداه إلى صلة الأرض والدم، على اعتبار أن هناك من السوريين اللاجئين من تزوجوا بجزائريات، بعد استقرارهم هنا، وأنجبوا أطفالا ينعمون بالأمن والسلام ويحظون بمعاملة أبناء الوطن، فغالبيتهم الآن متمدرسون يملكون شهادات ميلاد رسمية، ومنهم من يحمل جواز سفر جزائري بحكم جنسية الأم.

 

السوريون في الجزائر: “أولادنا محظوظون بميلادهم هنا”

بهذا الخصوص يعتبر والد سمية وهو تاجر استقر في العاصمة منذ سنوات، واستطاع أن يحتضن الكثير من أفراد عائلته الذين لحقوا به مع بداية الحرب الدائرة هناك، بأن ابنته الصغيرة محظوظة، لأنها ولدت في بلد يحترم حقوق الإنسان، فهي الآن، كما قال، تلميذة في الطور الابتدائي، تملك جواز سفر جزائري نظرا لجنسية والدتها، وتتعلم الكثير عن ثقافة البلدين رغم صغر سنها، تحب سوريا وتصر في حديثها على المزج بين لهجتها السورية والعامية الجزائرية، كما أنها جد متفهمة لفكرة ازدواجية هويتها، ولم تجد يوما صعوبة في التأقلم والتعايش مع أبناء جيلها من الجزائريين، سواء في المدرسة أو في الشارع.

 

حق الهوية وضمان المستقبل

وأضاف والد سمية أن ابنته لا تعد السورية الوحيدة التي ولدت في الجزائر، فلديه من أقاربه من ولد لهم أبناء في الجزائر وهم مسجلون إداريا، وقد تأكدت العائلة من حقهم في اكتساب الجنسية مع المحافظة على الجنسية السورية، الأمر الذي من شأنه أن يضمن للأطفال اللاجئين، حقهم في الهوية و الانتماء وبالتالي حقهم في المستقبل، موضحا بأنه كأب سوري يعيش حياة كريمة رفقة عائلته، ولا يتعرض لأية عراقيل إدارية في ما يخص نشاطه التجاري أو تمدرس ابنته وباقي أبناء العائلة، حيث يملك ترخيص إقامة قانوني يتجدد كل سنتين، ويمكنه بموجبه ممارسة حياته كأي جزائري.

 

الجزائر والإلتزام بحق المواطنة

كثيرا ما يُصنف أبناء المهاجرين واللاجئين في دول العالم على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية، يواجهون نظرة المجتمعات العنصرية القاسية خلال محاولاتهم للإندماج بها، فضلا عن تهديد فعلي آخر، يتمثل في كونهم عديمي الجنسية، وهي وضعية يمكن وصفها بأنها “عقوبة أكثر بدائية من التعذيب”، فأن يكون المرء بلا جنسية، هي حالة تعني تجريده من الحماية التي توفرها الدولة ومن الحقوق المدنية أيضا، وأن يُترك عرضة للتفرقة والتهميش، لكن الواقع مختلف في الجزائر، فهي تدعم الشعوب وتتضامن معها خلال الأزمات، كما أنها تلتزم ببيان “الحق في المواطنة” المنصوص عليه في المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ما سمح للاجئين السوريين بالإقامة داخل المدن بشكل طبيعي، بعيدا عن مخيمات اللجوء القاسية، التي نصبتها بعض الدول على حدودها.

 

يسكنون في قلب المدن بدل مخيمات اللاجئين

في المدن الجزائرية يمارس السوريون التجارة ويسكنون منازل كريمة، يتزوجون من سوريات ومن جزائريات وينجبون أبناءهم في مستشفيات الدولة، أين يحظون برعاية صحية كاملة ويستفيدون من مجانية العلاج كباقي الجزائريين، والعينة من  مستشفى قسنطينة الجامعي، أين تم تسجيل عديد الولادات، كما كشف عنه مسؤول  التنظيم الطبي بالمؤسسة الإستشفائية، مشيرا إلى أن إجراءات استقبال الحوامل بسيطة و لا تفرض أكثر من الدفتر العائلي و أي وثيقة تثبت الهوية، سواء كانت شهادة الإقامة أو جواز السفر أو غير ذلك، علما بأن معاملتهن لا تخضع لأي تمييز، بالمقابل يستفيد المواليد الجدد من فحص أولي مجاني وتلقيح ما بعد الولادة كباقي المواليد الجزائريين.

 

الوضعية الإدارية.. حق مكفول

يسجل السوريون المقيمون في الجزائر أطفالهم بطريقة عادية ضمن سجلات الحالة المدنية، ويتم إدراجهم قانونيا، ضمن الدفاتر العائلية لذويهم، كما يتمتعون بحق استخراج شهادات ميلاد ووثائق إقامة، وتم ببلدية قسنطينة تسجيل 8 مواليد جدد في العام الجاري في الفترة بين الفاتح من جانفي و أوت المنصرمين، بالإضافة إلى عقد قران لأزواج سوريين خلال هذه الفترة.

يؤكد حازم، وهو سوري دخل الجزائر رفقة عائلته سنة 2012 واستقر بالعاصمة، بأنه استطاع أن يلملم شتات حياته بعد خروجه من دير الزور السورية ولجوئه إلى الجزائر، ففي غضون الست سنوات الماضية، كان يشتغل في بيع المناديل الورقية و الكتيبات الدينية ، قبل أن يجد وظيفة لدى سوري آخر يملك محلا لبيع الأقمشة ، ما مكنه من تأجير شقة محترمة لعائلته و العيش حياة كريمة في الجزائر.

وقد أنجبت زوجته طفليهما هنا في الجزائر  دون أي عراقيل، واستفادت من رعاية صحية مجانية بعد وضعها لمولوديها، كما منحت إدارة المستشفى للأسرة بيان ولادة رسمي، سمح بتسجيل الطفلين لدى مصالح الحالة المدنية واستخراج شهادة ميلاد باسمهما.

 

التعليم لتخفيف جراح الحرب وتكوين جيل الإعمار

يعتبر الحق في التعليم المجاني الذي تقدمه الدولة الجزائرية لمواطنيها من بين الحقوق التي يستفيد منها أبناء اللاجئين السوريين، سواء من قدموا إلى الجزائر رفقة ذويهم بعد اندلاع الأزمة الأمنية أو أولئك الذين ولدوا هنا، في وقت يشير فيه تقرير منظمة الأمم المتحدة إلى أن أزيد من 700 ألف طفل منتشرون في البلدان المجاورة لسوريا، حرموا من حق التعليم بعدما سلبت الحرب طفولتهم، وأجبروا على خوض معركة الكبار، تاركين المدارس، ليهيموا في الشوارع.

وتؤكد المصالح المدنية، بأن عملية التسجيل بسيطة، ولا تتطلب أكثر من وثيقة إثبات هوية، “جواز سفر أو دفتر عائلي”، كما أن الدولة ضبطت إستراتيجية خاصة لإدماج هؤلاء الأطفال و تعليمهم، من خلال تجاوز التفاصيل المتعلقة بالسن والتأخر الدراسي، إضافة إلى ذلك، فإن مدراء المؤسسات التعليمية،  تلقوا توصيات تتعلق بتدريس اللغة الفرنسية لهؤلاء التلاميذ عبر مراحل، وإخضاعهم لدروس الدعم و حصص المعالجة لتدارك ضعفهم فيها، فضلا عن تكييف الامتحانات بما يتماشى مع مستواهم العام ، كل ذلك من أجل تكوينهم بشكل جيد لبناء جيل مثقف يؤمن بالسلام.