أنوار من جامع الجزائر

حق العودة حلم اللاجئين الفلسطينيين – الجزء الأول –

حق العودة حلم اللاجئين الفلسطينيين – الجزء الأول –

إنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَا ابْتُلِيَ بِهِ الأَنْبِيَاءُ وَالمُصْلِحُونَ عَبْرَ الزَّمَانِ إِبْعَادَهُمْ عَن الأَرْضِ التِي عَلَيْهَا وُلِدُوا، وَتَحْتَ ظِلَالِهَا تَرَعْرَعُوا، فَعَزَّ عَلَيْهِمْ تَرْكُهَا وَالِانْتِقَالُ عَنْهَا، وَكَيْفَ لَا وَفِيهَا الأَهْلُ وَالأَرْحَامُ، وَالأَقَارِبُ وَالجِيرَانُ. قَصَّ عَلَيْنَا القُرْآنُ الكَرِيمُ خَبَرَ قَوْمِ لُوطٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ الذِينَ هَدَّدُوهُ بِقَوْلِهِمْ: “لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِين” سورة الشعراء:167، لَا لِشَيْءٍ إِلَّا لِأَنَّهُ نَهَاهُمْ عَنِ ارْتِكَابِ الفَوَاحِشِ، وَأَمَرَهُمْ بِالِابْتِعَادِ عَنِ الآثَامِ، وَدَعَاهُمْ إِلَى التَّحَلِّي بِفَضَائِلِ الأَخْلَاقِ، “فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُون” سورة النمل:56. وَذَلِكُمْ نَبِيُّ اللهِ شُعَيْبٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ دَعَا قَوْمَهُ إِلَى تَوْحِيدِ اللهِ تَعَالَى وَتَرْكِ التَّطْفِيفِ فِي المِيزَانِ هَدَّدُوهُ بِقَوْلِهِمْ: ” لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا” سورة الأعراف:88، وَهَذَا سَيِّدُ الخَلْقِ وَحَبِيبُ الحَقِّ سيّدُنَا مُحَمَّدٌ صلّى الله عليه وسلّم لَمْ يَخرُجْ قَوْمُهُ فِي بِدَايَةِ دَعْوَتِهِ لَهُمْ عَنْ هَذِهِ القَاعِدَةِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ مُخْبِرًا: “وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِين” سورة الأنفال:30، وَحِينَ نَزَلَ عَلَيْهِ الوَحْيُ أَوَّلَ مَا نَزَلَ، أَخْبَرَهُ وَرَقَةُ بْنُ نَوفَلٍ بَعَادَةِ المُجْرِمِينَ عَلَى مَدَارِ الزَّمَانِ، قَائِلًا: “يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ»، قَالَ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ”. إِنَّها قَاعِدَةُ المُفْسِدِينَ المُجْرِمِينَ فيِ الأَرْضِ، مُسَاوَمَةُ أَوْلِيَاءِ اللهِ وَأَحْبَابِهِ، الإبْعَادُ وَالتَّهْجِيرُ فِي مُقَابِلِ الِإذْعَانِ لِإجْرَامِهِمْ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: “وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِين”. إِنَّ هَذَا التَّهْجِيرَ وَالِإبْعَادَ لَيَقَعُ مِنْ نَفْسِ المُحِبِّ لِبَلَدِهِ مَوْقِعَ القَتْلِ، وَلِذَلِكَ فَإِنَّ المَوْلَى عَزَّ وَجَلَّ قَدْ قَرَنَ بَيْنَهُمَا فِي آَيَةٍ وَاحِدَةٍ، فَقَالَ تَعَالَى: “وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا” سورة النساء:66. كُلُّ مَا ذُكِرَ أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ كَانَ عَنْ إِيذَاءِ أَفْرادٍ بِأَعْيَانِهِمْ وَأَسْمَائِهِمْ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ الأَمْرُ مُتَعَلِّقًا بِتَهْجِيرِ شُعُوبٍ كَامِلَةٍ، وَإِخْرَاجِ أَهْلِ بَلَدٍ عَنْ بَكْرَةِ أَبِيهِمْ، وَتَشْتِيتِهِمْ فِي الأَرْضِ، بَعْدِ قَتْلِ مَنْ أَمْكَنَ قَتْلُهُ مِنْهُمْ، وَتَدْمِيرِ كُلِّ مَا يَرْمُزُ إِلَى الحَيَاةِ مِنْ مُسْتَشْفَيَاتٍ وَمَدَارِسَ وَمَسَاجِدَ وَبُيُوتٍ وَخِيَامٍ وَشَوَارِعَ، وَإِفْرَاغِ أَوْطَانٍ تَوَارَثَهَا أَهْلُهَا قُرُونًا عَدِيدَةً، وَأَزْمِنَةً مَدِيدَةً، نَعَمْ أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ، إنَّ الصَّهاينة وبتآمرٍ حاقد على أرضِ الإسلامِ؛ أرضِ فِلَسطينَ، وَمُنْذُ مَا يَقْرُبُ مِنْ ثَمَانِينَ عَامًا تَقُومُ عِصَابَاتُهُمْ بِالعُدْوَانِ عَلَى المُسْلِمِينَ فِي أَرْضِنَا المُقَدَّسَةِ، فَأَثْخَنُوا فِي أَهْلِنَا بِالمَذَابِحِ وَالقَتْلِ وَالتَّشْرِيدِ، حَتَّى هَجَّرُوا مِنْهُمْ مِئَاتِ الآلَافِ بِقُوَّةِ الِإرْهَابِ وَالسِّلَاحِ، لِيُحِلُّوا شُذَّاذَ الآفَاقِ مِنْ أَقْطَارِ الدُّنْيَا مَحَلَّهُمْ، تَحْقِيقًا لِادِّعَائِهِمْ أَنَّهُ وَطَنٌ بِلَا شَعْبٍ لِشَعْبٍ بِلَا وَطَنٍ، وَطَنٌ لَيْسَ لَهُمْ فِيهِ نَسَبٌ، فَإِنَّ الأَرْضَ المُبَارَكَةَ لِأَهْلِ الِإيِمَانِ وَلَيْسَتْ وَطَناً لِلْمُجْرِمِينَ قَتَلَةِ الأَنْبِيَاءِ.

الجزء الأول من خطبة الجمعة من جامع الجزائر