اشتمل القرآن الكريم على آيات تتعلق بالأحكام الشرعية، واشتمل كذلك على آيات أخرى كثيرة تتعلق باليوم الآخر، أحواله وأهوالِه، وحسابه وثوابه وعقابِه، واشتمل كذلك على آيات أخرى كثيرة تتحدَّثُ عن وجودِ الله ووحدانيته، وتَنْعَى على الكافرين مواقفَهم المُخزية من رسولِهم الذي أُرسل إليهم، واشتمل كذلك على آيات أخرى كثيرة تتحدث عن الكائنات والمخلوقات التي أبدَعَتْها قدرةُ الله في الأرض والسماء، والشمس والقمر، والنجوم والكواكب، والليل والنهار، والصُّبح والفجر، والمشرق والمغرب، والمطر والسَّحاب والرياح، والرَّعد والبرق والصواعق، والأنهار والبحار والجبال، والفُلك المواخر، واللؤلؤ والمرجان، والفاكهة والنخل، والزيتون والرمان والأعناب، وكل الثمرات، والملائكة والجن والإنس، والطير والحيوان والأنعام، والزوجية والذكورة والأنوثة، وخلق الأجنَّة في بطون الأمَّهات في ظلمات ثلاث، والنفس البشرية، وعجائب خَلقها وتكوينها، وأطوارها وغرائزها، وطِباعها وملَكاتها، وانفعالاتها ومشاعرها، ووجداناتها؛ من حبٍّ وبُغض، ورضًا وسخط، وشكر وكفر.
إن هذا الحشد الحاشد من الآيات القرآنية المتحدثة عن الكون والإنسان والموجودات والمخلوقات، لم يكن وجودُه في القرآن لغوًا وعبثًا، لكن القرآن المجيد قد ذكر هذه المخلوقات والكائنات، وأطنب في ذِكرها وعَرضها على أسماعنا وأنظارنا؛ ليشير إلى مبدأ إسلامي جليل، مبدأ حيوي واقعي، يُرينا ما بين الإسلام والحياة من الترابط والاندماج، هذا المبدأ هو إباحةُ التمتُّع بما خلَق الله في الكون من بهجة وزينة، ومتعة ومنفعة، ففوق ما نراه في هذه المخلوقات من إبداع وجمال ونظام واتساق في أشكالها وألوانها وأحجامها، وطعومها ومذاقاتها وروائحها، نراها من وجه آخر قد ذُلِّلت وسُخِّرت للإنسان، وجُعلت في متناول يده، ورهن إشارته، مأكلاً ومشربًا وملبسًا ومسكنًا، وبأي وجه من وجوه الانتفاع، لا يصده عن ذلك صادٌّ، ولا يمنَعُه منه مانع، الأرض قرارٌ ومِهاد وفراش، والسماء سقفٌ وبناء، وكل ما بينهما مِلك الإنسان ومتاعه، ورَحْله في رِحلة الحياة، سائر ما خلق الله في الحياة الدنيا من كائنات ومخلوقات وطيبات رزقٌ للإنسان، لا يحرِّمُ الإسلام عليه شيئًا ما دام يتعاطاه في حدودِ ما حلَّل الله، ولا يستعمله فيما حرَّم الله.
الكاتب أنور النبراوي