إن شهر رمضان المبارك هو الشهر الذي تسمو فيه أخلاق المسلم، وترتبط بمعاني الإيمان والاحتساب والصبر، ويُصبح حسن الخلق وترويض النفس وتهذيبها غاية من غاياته السامية، فليس الغرض من الجوع والعطش تعذيب النفس وإهانتها، بل تحقيق معاني التقوى التي ذكرها الله عز وجل في الآية: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”. وما من شهر أوصى فيه الإسلام بحسن الخلق على نحو ما أوصى به في شهر رمضان؛ لأن من طبيعة النفس البشرية النفورَ والمقاومةَ حين تُحْمَل على نظام لم تعهدْه، وحين تُلزم ببرنامج لم تألفْه؛ لذا جاءت وصايا النبي صلى الله عليه وسلم؛ لتؤكد أن الصيام لا يعني مجرد الجوع والعطش، بل يتعداه إلى حسن الخلق وتزكية النفس، فقد قال عليه الصلاة والسلام: “والصيام جُنَّة؛ فإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابَّه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم إني صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب من ريح المسك، للصائم فرحتان: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه” متفق عليه.
رمضان سانحة طيبة لا تُعوَّض للتحلي بأحسن الأخلاق وترويض النفس عليها؛ حتى يبلغ المسلم بحسن خلقه درجة الصائم القائم، فيكون من أحب الناس وأقربهم مجلساً للنبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، ولا غرو في ذلك فقد أتى بأثقل الأعمال في ميزان الحسنات يوم القيامة، ففي الحديث: “إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ” صححه الألباني، وفي حديث: “إن من أحبِّكم إليَّ وأقربِكم مني مجلساً يومَ القيامةِ أحاسنُكم أخلاقاً” صححه الألباني ، وفي حديث آخر: “مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ المُؤْمِنِ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الفَاحِشَ البَذِيءَ” صححه الألباني. ولم يترك النبي عليه الصلاة والسلام عذراً للذين يتعللون بأنهم جُبِلوا على سوء الخلق، وأنهم لا يستطيعون تحسين أخلاقهم حين بيَّن أن حسن الخلق يمكن اكتسابه بالمجاهدة والتخلق، إذ قال: “إنما الحلم بالتحلم، وإنما العلم بالتعلم”. حسنه الألباني.