-
بطولة جزائرية للحفاظ على الوحدة الترابية للوطن
تحلّ، اليوم، الذكرى الـ 63 لـ “حرب الرمال” التي اندلعت في الثامن أكتوبر 1963، في الوقت الذي كانت فيه الجزائر دولة وشعبًا تُحصي شهداءها وأراملها وأيتامها، وتعيد بناء مؤسساتها بعد قرن و32 سنة من الاستعمار، فاجأهم المغاربة -كنظام حكم – بأطماعه الاستعمارية المزعومة على ولايتي تندوف وبشار.
بعد نيل الجزائر استقلالها، التفت الجزائريون قيادة وشعبا لإعادة قيام الأمة الجزائرية وتركيز جهودها على بناء مؤسساتها، التي استشهد من أجلها مليون ونصف مليون شهيد ضحوا من أجل حياة هذه الدولة والأمة من جديد، وكانت الثورة الجزائرية وما حققته من انتصار يُذكر في المحافل الدولية والإنسانية مصدر فخر لأحرار العالم وكافة الشعوب المناهضة للعبودية، وفي الوقت الذي كان الجزائريون منشغلين ببناء دولتهم، تفاجأوا بغدر النظام المغربي الذي كانت له أطماع توسعية مزعومة و”يحلم” بأخذ بعض من التراب الجزائري، فصدته الجزائر بكل قوة ودخلت في حرب معه سُميت بـ “حرب الرمال” التي قدمت فيها الجزائر 800 شهيد في أول حرب حفاظا على وحدتها الترابية.
الهروب من حالة اللااستقرار المغربي

تعتبر مرحلة بداية الستينيات من أكثر المراحل حرجا في تاريخ المغرب سياسيا، خاصة بعد وصول الملك الحسن الثاني إلى السلطة، حيث كان المغرب يعيش وضعا اقتصاديا واجتماعيا متدهورا، زادته حدة من الناحية السياسية نتائج الانتخابات التشريعية في 17 ماي 1963 حيث فازت المعارضة بالأغلبية المقدرة بـ 56.5 بالمائة من مجموع الأصوات، مما يعكس الفشل السياسي للملك والرفض الشعبي لأعضاء حكومته، هذا الفشل السياسي ومحاولات الاغتيال وقلب النظام في جويلية 1963 وطرح التيار الثوري لمشاريع اقتصادية هدد المصالح والامتيازات الملكية، كل هذه الأوضاع دفعت بالملك الحسن الثاني للدخول في نزاع مع الجزائر، لتعزيز نظامه، واستغلال ذلك لقمع الاتحـاد الوطني للقوى الشعبية، كونه كان يخشى من التيار المغربي وتوجهاته الناصرية وعلاقاته مع الجزائر، وما يمثله ذلك من تهديد للعرش الملكي، فالدخول في نزاع مع الجزائر جاء من أجل خلق فكرة العدو واستخدامها لتحقيق الانسجام الداخلي بالتركيز على المزايدات الوطنية.
تطور “النزاع” إلى “حرب“

رغم أن القوة لم تكن متكافئة إلا أن المغرب لم يتمكن من اختراق الجزائر، فالجيش المغربي المسير من طرف إدريس بنعمر كان مجهزا جيدا بتجهيز غربي، حيث كانت فرنسا أكبر بائع أسلحة للمغرب في ذلك الوقت، أما القوات الجزائرية المسيرة من طرف العقيد هواري بومدين والتي تملك الخبرة في حرب العصابات والاعتماد على هجمات الكر والفر لكنها سيئة التجهيز والتي تشكلت مؤخرا من حرب العصابات في صفوف جبهة التحرير الوطني وتلقى تذبذبا في التموين، ومع ذلك لم يُحقق المغرب أي تفوق على الجزائر.
بدأت الحرب في 8 أكتوبر بعد قيام قوات الجيش الوطني الشعبي الجزائري بضربة في حاسي بيضة وتينجوب، ليُعلن المغرب في اليوم الموالي أن محمية تينجوب وحاسي بيضة وتينفوشي تم الاستيلاء عليها “في هجوم مفاجئ” من طرف القوات الجزائرية، وبالنسبة للجزائر، فإن القوات المغربية تقدمت في الصحراء منذ شهر سبتمبر لإقامة محميات، والهجمة جاءت ردا على ذلك.
وفي الـــ 14 أكتوبر، احتلت القوات الملكية المغربية حاسي البيضاء وتنجوب ودفعت بالقوات الجزائرية نحو طريق بشار – تندوف، وشكّل هذا التدخل للقوات النظامية البداية الفعلية للنزاع، واستولى الجيش الجزائري على إيش موقع مغربي في الصحراء فيما وراء المنطقة المتنازع عليها، وتعتبر خطة لفتح جبهة جديدة لفك الضغط عن القوات الجزائرية المهددة في الجنوب، أو بالأحرى الحصول على منطقة يمكن استغلالها في المفاوضات، ووصل الجزائريون إلى حدود فكيك.
وفي نهاية الشهر صار للجزائر وضعية دبلوماسية جيدة ولصالحها، لها تأييد كبير بعد حرب الاستقلال وهي مؤيدة وبدرجات مختلفة من طرف المنظمات الإفريقية وبإمكانها المطالبة بمبدأ “الحدود الموروثة” لدعم مطالبها، وبأمر من الملك الحسن الثاني، توجه وزير الإعلام عبد الهادي بوطالب للجزائر لكن مهمته لم تُثمر، وفي 15 أكتوبر، قررت الجزائر التعبئة العامة في قدامى محاربي الجيش “جنود جيش التحرير الوطني” وهم أبطال حرب الاستقلال وأسود الأمة، وفي 16 أكتوبر، ظهر بن بلة ونوابه على جبهة القتال أثناء جلسة طارئة داعين جميع المحاربين القدامى للانضمام إلى الجيش ومحاربة “العدوان الإمبريالي” المغربي؛ متعهدا بعدم خلع زيهم حتى يكملوا مهمتهم بنجاح ثورتهم الاشتراكية وحماية الوحدة الترابية للجزائر، بعد مناوشات مكثفة على طول الحدود، مع مرور الوقت، أصبح الاشتباك حقيقيا والاقتتال عنيفا حول واحة تندوف وفكيك، ومع أن الجيش الجزائري كانت صفوفه مكونة من محاربي جيش التحرير الوطني التي كانت لا تزال غير مؤهلة وموجهة نحو حرب مباشرة، كما كانت معداتها الثقيلة قليلة جدا إلا أن عشرات الآلاف من المحاربين الجزائريين كانوا على استعداد لخوض المعركة ولم يخشوا الجيش المغربي بمعداته الثقيلة.
نهاية الحرب

توقفت المعارك يوم 5 نوفمبر 1963، حيث انتهت بوساطة الجامعة العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية، وقامت المنظمة الإفريقية بإرساء اتفاقية لوقف نهائي لإطلاق النار في 20 فيفري 1964 في مدينة باماكو عاصمة دولة مالي، وقاد الوساطة الإمبراطور الإثيوبي هيلاسيلاسي، بصفته رئيس منظمة الوحدة الإفريقية، ووقّع الاتفاقية كل من الرئيس أحمد بن بلة والملك الحسن الثاني، ونص الاتفاق على توقيف القتال وتحديد منطقة منزوعة السلاح وتعيين مراقبين من الدولتين لضمان حياة وسلام هذه المنطقة، وتشكيل لجنة تحكيم لتحديد المسؤولية حول من بدأ العمليات الحربية بين البلدين، ودراسة مشكلة الحدود بينهما وتقديم مقترحات إيجابية للطرفين.
ولكن هذه الحرب، خلّفت توترا مزمنا في العلاقات الجزائرية – المغربية ما زالت آثاره موجودة إلى الآن، خاصة من ناحية الجزائريين الذين سيظلون ينظرون إليها قيادة وشعبا “وصمة خزي” على جبين “نظام المخزن” الذي لم يتورع قيد أنملة عن الإساءة إلى الجارة والشقيقة الجزائر.
ق. م
