قال الكاتب والناقد حبيب مونسي في تصريح لـ “الموعد اليومي”، “الكثير من المتفلسفة يعتقدون أن الفلسفة تفسير للحياة، وأن نشاطها الحق ليس في بناء المقولات والنظريات بقدر مما تتجلى فائدتها العظمى في تفسير الحياة وجعلها واضحة المعالم في أعين العامة من الناس، وهو ما جعلها في يوم من الأيام أما للعلوم قاطبة وعنها تفرعت المعارف التطبيقية التي تعرف كيف تستغل الحياة في جانبها العملي من أجل توفير قدر كبير
من الراحة للإنسان. ذلك هو السبب الذي جعل الفلاسفة يخوضون في كافة المسائل ابتداء من العقائد والأفكار إلى المعاني والجماليات، غير أن صنيعهم هذا ظل حبيس التفكير النظري”.
وأوضح مونسي “أن بعض الفلاسفة تفطنوا إلى أن هذا السبيل من التفكير لن يخدم أفكارهم، ولن يساعدها على الإنتشار بين الناس بل ستظل حبيسة النخبة التي تعرف كيف تفك خيوط التفلسف، فلجأوا إلى الرواية باعتبارها الحياة أو صورة من الحياة التي يريدونها لأفكارهم فيجمعون فيها من الواقع، الأحداث، والمشاعر، والأحاسيس، ما يرفد الفكرة التي يعرضونها في ثوب من المجال العملي الذي يجعل الأفكار فاعلة في الزمان والمكان والشخصيات والمصائر والأوضاع الاجتماعية.. فهم بذلك يصنعون الحياة على مقاس الأفكار.. أو يجعلون الأفكار تتحرك بحرية في وسط حياتي حي، يطرأ عليه من الأحداث والمشاعر ما يجعل الفكرة في محك حقيقي داخل الأزمات على اختلاف أنواعها وشدتها، فـ “جون بول سارتر” و”ألبير كامو” ممن فضل دخول مغامرة الحياة من باب الرواية لا ليكتب الرواية من أجل الرواية، وإنما ليكتب الرواية من أجل الفلسفة، كما يصنع المؤرخ حينما يكتب الرواية من أجل التاريخ”.
وأضاف حبيب “أن الغريب أننا في الأدب نجرد المؤلفين من سمة التفلسف في كل الأحوال، ونعتبرهم روائيين فقط، ونتغاضى عن الشطر الكبير الذي من أجله تقوم الرواية في الأساس وهو “الفكرة”، وليست الفكرة بحال من الأحوال مجرد قضية تخطر على بال الروائي، فيشرع في البحث عن إطار لها تتحرك فيه الأحداث والشخصيات، وإنما هي أعمق من ذلك، لأنها في خطرها إما أن تتصل بالإنسان خاصة، أو بالحياة عامة، وإنها تحاول في جوهرها أن تنظر إلى خلل واقع في حياة الأشخاص، أو المعاني التي يتداولها الأشخاص، من هنا كانت “الأفكار” أهم شيء يجب على الروائي الاعتناء به عناية الفيلسوف بفكرته، لأنها هي العمود الذي تقوم عليه الرواية الواحدة، أو مشروع الروائي في عدد من الروايات التي يسطرها بين يديه توسيعا للفكرة واستقصاء لكافة أبعادها الحياتية المختلفة”.
وانتهى حبيب مونسي إلى أن “هذا هو الأمر الذي نجده لدى عدد معتبر من كتاب الرواية العرب المحترفين الذين تسلسلت أعمالهم في إطار رؤية ثقافية وسياسية وإيديولوجية محددة، مما جعل متابعتهم واضحة المعالم بيّنة الآفاق، وكأنهم يريدون لأعمالهم أن ترسم منهجا للتغيير في واقع مجتمعاتهم، فهم لم يكتبوا للمتعة الفردية أو الترويح عن النفس كما يردد البعض اليوم، وإنما يكتبون الرواية لأنها صنو الحياة، ولأنها تستطيع أن تغير في الحياة تغييرا منهجيا فعالا، وأنها تساعد كثيرا من القراء على أن يعيشوا حياتهم، وقد تخلصوا من مخاوفهم وأوهامهم وازدادوا معرفة بأنفسهم وبغيرهم من الناس، فالحيوات المعروضة في الروايات وتجاربها حقل تجريبي يستفيد منه القارئ، لا للتلصص على ضمائر الناس وأفعالهم، وإنما لإغناء تجربته الخاصة وتتمتها بما يراه ويشهده من أحداث ومصائر في بيئات مختلفة، متباينة أشد التباين”.