إن أرزاق الله تعالى تَغدو وتروح، يَهبها مَن يشاء، ويَصرفها عمَّن يَشاء، ولا مُعَقِّب لحُكمه، ولا رادَّ لقضائه تعالى وتقدَّس؛ ” نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ ” يوسف: 56.ومن تلك النعم والأرزاق التي يَصرفها ربُّنا كما يشاء: إنزال الغيث؛ كما قال سبحانه “وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا ” الفرقان: 48 – 50. وهو القائل سبحانه ” وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ ” المؤمنون: 18، وهو القائل تعالى وتقدَّس ” قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ ” الملك: 30. كلنا وقَفنا على ما حصَل من الضرر بتأخُّر نزول الغيث، ونحن مُضطرون إلى الغيث غاية الضرورة، ولا يستطيع أحدٌ أن يُنزل الغيث إلاَّ الله تعالى وحده، الذي يُجيب المضطر إذا دعاه، ويَكشف السوء عمَّن لاذَ بحِماه، فهو غِياث المستغيثين، وجابر المُنكسرين، وراحم المستضعفين، وهو على كلِّ شيء قدير، وبكل شيء عليم، يُعطي لحِكمة، ويَمنع لحِكمة، وهو اللطيف الخبير.
إذا عَلِمنا أننا مُضطرون إلى رحمة ربِّنا وغَيثه غاية الضرورة، وأنه لا يَكشف ضُرَّنا ولا يَغيث شدَّتنا إلاَّ الرحمن الرحيم، الجَوَاد الكريم، وإذا عَلِمنا أنَّ الدعاء هو العبادة، وأنَّ الله حييٌّ كريم، يَستحيي من عبده إذا رفَع يديه إليه، أن يردَّهما صفرًا، وأنَّ مَن دعا الله بإخلاص وصِدق، فلن يَخيب، فإمَّا أن يُعطى مطلوبَه، أو يُدَّخَر له ما هو أكثر منه وأعظم، أو يُدفع عنه من السوء ما هو أشدُّ وأكبرُ، وإذا عَلِمنا أنَّ ربَّنا تعالى قريبٌ ممن دعاه؛ ” وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ” البقرة: 186. ونعلم أنَّ للداعي المضطر منزلةً خاصة؛ ” أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ” النمل: 62. وهذا النبي يونس عليه السلام لَمَّا الْتَقَمه الحوت وأضحى رهينَ بطنه في الظلمات المُركبة، ماذا صنَع؟ لقد لَجَأ إلى ربِّه، وتضرَّع إليه بالتوحيد والشهادة، التوحيد الذي هو مَفزع الخلائق إلى ربِّها، وهو مَلجؤها وحِصنها وغِياثها؛ قال تعالى عن يونس: ” فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ” الأنبياء: 87. فجاءَه الغوث الإلهي العاجل؛ ” فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ” الأنبياء: 88؛ أي: وكذلك نَصنع بالمؤمنين إن فعَلوا مثلما فعَل. أفلا نُحاسب أنفسنا ونتفقَّد حالنا في جَنب الله تعالى، ألَم نسمع قوله تعالى ” ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ” الروم: 41، ألَم نسمع قوله جل وعز “وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ” الشورى: 30. فقدِّموا بين يدي ذلك توبة نصوحًا واستغفارًا من الذنوب، وأحسِنوا به الظنَّ في نفوسكم، تعجَّلوا الإنابة، وبادِروا بالتوبة، وأَلِحُّوا في المسألة، فبالتوبة النصوح تُغسل الخطايا بطهور الاستغفار، وتُستمطَر السماء، وتُستدر الخيرات، وتُستنزَل البركات.