جويده العيد بن عمر بن امحمد متليلي

elmaouid

 في جو جنائزي مهيب وبحضور الأهل والأبناء والأقارب والأصهار والزملاء والرفقاء والأصدقاء وقدماء اللاعبين والتلاميذ والطلبة والمحبين، والأسرة التربوية بأطوارها ومقاطعاتها ومشايخ وأئمة المدينة والأسرة الرياضية والفنية وباقي فعاليات المجتمع المدني والسلطات المحلية والنقابية وأعضاء مجلس الأمة، والوافدين من خارج متليلي، سبسب، زلفانة، حاسي لفحل المنصورة غرداية وولاية وادي سوف ومن الشقيقة الجمهورية التونسية، ودع بعد ظهيرة السبت 05 نوفمبر 2016 جثمان الفقيد جويدة العيد بن عمر إلى مثواه الأخير محمولا على الأكتاف بمقبرة السوايح سيدي بولنوار بمتليلي الشعانبة ولاية غرداية.

وبموراته التراب وتوديعه إلى مثواه الأخير، نودع قامة من القامات التي أفل نجمها من نجوم المدينة وتنطفئ شمعة من الشموع المضيئة ومصباح من المصابيح المنيرة من قناديل التربية والتعليم.

وداعا.. وداعا.. وداعا وداع أبدي بلا رجوع.

وداعا أيها المربي المدرب المؤطر وأيها اللاعب والمرافق.

أيها السعيد بجيله وأبنائه وتلاميذه.

يامن علمتنا التحدي والتنافس والمواصلة والاستمرارية.

يا معلم الأجيال، ومربي الأبناء ومدرب الإطارات، يا من خرجت من الشعب وجئت إلى الشعب وبقيت مع الشعب لم تتبدل ولم تتغير،  برغم أن الرحلة كانت جد شاقة وطويلة ومتعبة والتي خرجت من عتمة الاستعمار إلى ضوء الاستقلال، فكانت المسيرة شائكة، لأنها ملونة وغنية بالأفكار كما قلت لي ذات يوم في أواخر زيارتك لي بالمكتب والحث على الصبر والتمسك به.

ولكني تهت فمن أين أبدأ رحلة كلمتي في رثائك، أأبيات تشفي غليلي أم سطور تنسيني فاجعتك بفقرات تذكرني بمسيرة تعليمك وتكوينك لآلاف الأجيال على مدار السنين التي خلت منذ فجر الاستقلال، وأنت معلم الكلام ومنبع بحر الكلام، ومن أين أبدأ وأنت صاحب الرسالة متعدد المواهب، ومن أي باب أبدأ وأنت كثير الاهتمامات والنشاطات، واسع المجالات، ومن أي منبر وأنت منشط الجلسات ومن أين أبدأ بالتفكير وأنت موسوعة من المفكرين، ومن أين أقود وأنت القائد ومن أين أعزف سنفونية الرثاء وأنت صاحب المقامات والعازف بشذى عذب الألحان.

ومن أين أنهل عبارات فقرتي وأنت الإطار التربوي التعليمي الرياضي والإجتماعي، والفنان والقائمة طويلة لا تسع لسرد الألقاب والصفات والموصفات.

فمن أين أبدأ وأنت القاموس الشارح الذي لم يترك لي صغيرة ولا كبيرة أقتبس منها كلمة لبناء جملة ولا عطر وردة من البستان الغني المتنوع.

فباللّه عليك، ماذا تركت للتاريخ أن يضيف ليحكي سيرتك ومسيرتك، كيف جمعت كل ذلك.

يامن لقبت بالمقاوم والمداوم، كيف جمعت بين التربية والتعليم وبين الفن والثقافة وبين الفكر والتفكير وبين العمل والرياضة.

كيف وفّقت بين ذا وذاك وأنت الصابر الكتوم. السائر في صمت. المنتقل من مدينة إلى أخرى والمسافر على الدوام للتعليم.

أيها المعلم الزاهد الذي قضى حياته بالتواضع والعيش في التواضع.

أيها الموهوب الذي لم يجر ولم يلهث وراء منصب راق ولا مركز، ولا لقب، ولا إلى مادة، بل سعى بحنكته وخبرته وموهبته إلى تلك المراكز والوظائف المتعددة.

إنها إرادة الله وقضاؤه وقدره الذي لا مفر منه. بالرغم أننا سنفقدك في هذا الزمن، يا معلمنا ومعلم جيلنا الذي تعلمنا عنده وأخذنا منه الكثير، فكم سهرت وتعبت في التحضير والإعداد والتصحيح بقلمك في كتبنا ودفاترنا وأوراق فروضنا وامتحاناتنا وأنرت فكرنا بجملة كانت عنا غائبة، ورسخت لنا أخرى، وكم هذبت تلعثمنا وصححت لنا أخطاءنا وشجعتنا بفكرك النير وأسلوبك المتفتح، وكم علمتنا حب الوطن والناس والتواضع والتمسك بلغتنا وبتراثنا بتحفيزك بتلك القصاصات والكتيبات والمجلات والصور ولاسيما صور اللاعب بيلي يوم حصص الرياضة بفناء مدرسة بن باديس الابتدائية وسط المدنية.

نم قرير العين فتعليمك كفيل بأن ينقش أسمك في ذاكرة طلبتك وتلاميذك وأبنائك ومن علمته ودربته ورافقته وعاصرته وسوف يتذكرونك مطلع كل صباح وساعة مسك القلم وفتح الكراس والدفتر والاستماع إلى دروس التربية والتعليم ومشاهدة الحصص الرياضية والمقابلات الكروية.

وسيواصلون الرحلة بكل فخر واعتزاز، إنهم أبناء وتلاميذ وطلبة المعلم الوقور، الأستاذ العزيز والمربي الفاضل العيد جويده بن عمر بن أمحمد.

يكفيك فخرا وشرفا وافتخارا أن من بين من تعاقبت على تعليمهم وتكوينهم إطارات وكفاءات ذوو مناصب سامية وعالية وحساسة منها السيادية والقيادية، منهم الطبيب والمحامي والمهندس والأستاذ والجامعي والتاجر والمهني والحرفي، وهم كلهم افتخار بك ويشهد لك رفاق دربك أن هذا الجيل من صنع أيديك.

نسأل الله لك العفو والمغفرة، وأن يسكنك فسيح جناته وأن يتغمدك بواسع رحمته وأن يلهم ذويك ومحبيك ومقربيك جميل الصبر والسلوان.

إنك من السابقين ونحن بك من اللاحقين.

إنا لله وإنا إليه راجعون.

بقلم تلميذك الأستاذ بامون الحاج نورالدين.

ستراسبورغ فرنسا 05 نوفمبر 2016.