تستعيد المرافق الترفيهية الطبيعية المنتشرة في كامل إقليم العاصمة وعلى رأسها المساحات الخضراء والحدائق، رونقها تدريجيا، بعد إقرار السلطات الولائية بعث الحياة بها والتخلص من الوضع الكارثي الذي تتواجد
عليه، والذي بلغ ذروته خلال التسعينيات وحتى بعد هذه الفترة بسنوات، لانشغال الدولة بأساسيات العيش كأولوية قبل أن تفكر بالصورة الجمالية لعاصمة البلاد التي جعلتها الحكومة ضرورة قصوى كونها تمتص الضغط على سكان العاصمة، وتمكنهم من فضاءات الترويح عن النفس بالتركيز على كبريات المرافق الطبيعية على غرار حديقة التجارب الحامة وكذا حديقة الحيوانات والتسلية ببن عكنون، إضافة إلى الحدائق التي هي في طور الانجاز في انتظار الالتفات إلى المرافق الأخرى المهمة على غرار بحيرة الرغاية وكذا الحدائق التي تتخلل شوارع العاصمة.
ما تزال المساحات الخضراء والمرافق الطبيعية بالعاصمة تشكو وضعا صعبا وأحيانا كارثيا بسبب الاهمال الذي نال منها طوال سنوات وإن لم نقل عقودا، وحتى تلك التي نالت حظها من الاهتمام كما هو الشأن بالنسبة لحديقة الحامة التي هي رئة العاصمة
والتي حظيت بالتهيئة، إلا أن عملا كبيرا ينتظر القائمين عليها لإعادة تصنيفها ضمن إحدى القوائم العالمية كمعلم والتي فقدتها جميعا، دون الحديث عن البحيرة الرطبة الوحيدة في شمال إفريقيا التي ما تزال تنتظر من يعيدها إلى خانة المعالم الطبيعية النادرة ويعيد إليها أسماكها وطيورها المهاجرة إليها من كل بقاع العالم، شأنها في ذلك شأن الحدائق الصغيرة التي أضحت أوكارا للمنحرفين تارة ومفارغ عمومية تارة أخرى لدرجة تحولت فيها من ثروة طبيعية إلى نقطة سوداء تشوه العاصمة.
الحامة تخطو أولى خطوات العودة إلى الحظيرة العالمية
حظيت حديقة الحامة دونا عن كثير من المرافق الموجودة بالعاصمة باهتمام السلطات الولائية التي حرصت على إعادتها إلى مصاف المعالم الأثرية العالمية من خلال مباشرة استراتيجية جديدة لتثمين إمكانياتها الطبيعية، حيث شرعت مصالح العاصمة في تحضير ملف خاص بالحديقة لتصنيفها كإرث عالمي، في انتظار تنظيم ندوة دولية حول هذا المعلم مستقبلا من أجل دعم فرصة الحديقة لتحظى بالمكانة العالمية التي تستحقها، كما كشف عنه والي العاصمة عبد القادر زوخ قبل أيام والذي أشار إلى أن تصنيف حديقة التجارب كإرث عالمي يتطلب إجراءات معينة، وقد شرعت الولاية “فعليا” في تحضير الملف الخاص بذلك، في انتظار عرضه على لجنة وطنية مع تنظيم ندوة دولية مستقبلا لتعزيز ودعم فرصة تصنيفها، في وقت أشار فيه بولحية عبد الكريم مدير الحديقة إلى أن كل الظروف تسير لصالح تصنيف الحديقة كإرث عالمي، مذكرا بحصيلة سنة 2017 التي عرفت خلالها الحديقة زيارة ما لا يقل عن 1.8 مليون زائر مقارنة بسنة 2016، أين استقبلت أزيد من 1.4 مليون شخص، فيما سجل توافد نحو 18.600 زائر على الحديقة خلال أول أيام السنة الجديدة 2018.
وتميزت عملية تسيير هذا الفضاء الذي يعد بمثابة رئة الجزائر العاصمة خلال السنة المنقضية بتحويله إلى مؤسسة عمومية اقتصادية تابعة لمصالح الولاية، كما عرفت الحديقة السنة الماضية إطلاق مشروع جرد ممتلكاتها الطبيعية بهدف إدراجها مجددا ضمن قائمة الحدائق العالمية المعترف بها دوليا، حيث تم تنصيب مجلس علمي للعمل على إعادة بعث الجرد والتصنيف داخل الحديقة لتثمين مكتسباتها الطبيعية والعمرانية والتاريخية. كما استرجعت تماثيل الحديقة الإنجليزية بحديقة التجارب بالحامة والتي تمثل رؤيا النحات والفنان الفرنسي “إميل جون جوزف قوديسار” للتقاليد والعادات الأصيلة لمختلف نواحي الوطن، رونقها الأصلي خلال سنة 2017 بعد انتهاء أشغال ترميمها التي جاءت لتدارك “حالة التشويه والتدهور” الذي وصلت إليه جراء ممارسات غير مسؤولة من قبل مرتادي الحديقة خلال الثلاث سنوات الأخيرة، وتميزت سنة 2017 أيضا بولادة اللبؤة “كايلا” التي كان لها النصيب الأكبر من الاهتمام من قبل المشرفين على حديقة الحيوانات الملحقة بحديقة التجارب، باعتبار أن ولادة نوع السنوريات في الأقفاص من الأمور قليلة الحدوث، ويمكن اليوم لزوار الحديقة أن يستمتعوا بمشاهدة هذه اللبؤة الصغيرة بعد أن تم إيداعها بقفص متاح للزيارة.
يذكر أن حديقة التجارب التي أسست سنة 1832 تتربع على مساحة 32 هكتارا وتمت إعادة فتحها للزوار سنة 2009 بعد أشغال إعادة تهيئة وتحديث استمرت مدة خمس سنوات.
مطالب بإلحاق بحيرة الرغاية بمشروع تطهير العاصمة
ارتفعت الأصوات المنادية بضرورة إلحاق بحيرة الرغاية التي تمثل ثروة طبيعية بالنسبة للجزائر كونها إحدى أندر المناطق الرطبة في العالم ببرنامج تطهير العاصمة لاستعادة جمالية هذا المورد السياحي الهام، خاصة بعدما أضحت تعرف حالة جد متدهورة، نظرا للتلوث الذي تعانيه منذ سنوات بسبب الإهمال الذي طالها، ومعها الرائحة الكريهة التي باتت تنفر كل الزوار بعد أن كانت في وقت سابق وجهة سياحية للعديد من الزوار، لاسيما بالولايات الشرقية كبومرداس وتيزي وزو وغيرها من المناطق، الأمر الذي يستدعي التدخل من أجل إعادة استغلالها وحماية العديد من الحيوانات التي باتت مهددة بالانقراض بسبب المياه الملوثة التي تغمر البحيرة، والتأكيدات التي سبق وأن أعلنتها السلطات التي أكدت أن العديد من الطيور مهددة بالانقراض بسبب انعدام الحياة في تلك البحيرة، حيث يناشد الكثيرون ومنهم سكان المناطق المجاورة لها، السلطات الولائية وعلى رأسها والي ولاية الجزائر، عبد القادر زوخ، ضرورة استعجال تطهير بحيرة الرغاية، التي باتت مصدر ازعاج للعديد من السكان بهذه الضاحية، موضحين أن بحيرة الرغاية حولت أغلب الأحياء القريبة منها كحي “وادي الكحلة” الواقع ببلدية هراوة إلى مناطق لا تصلح للعيش فيها، بالنظر إلى حجم الرائحة الكريهة التي يستنشقها السكان بشكل يومي، لاسيما في فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة، موضحين أنهم يعانون الأمرين بسبب تلك الرائحة نظرا لاحتوائها على مختلف النفايات بينها نفايات سامة من مخلفات المصانع التي ما تزال ترمى بالبحيرة دون حسيب ولا رقيب، مؤكدين أنهم عاشوا جحيما لا يطاق خلال الصائفة الماضية التي تميزت بارتفاع شديد في الحرارة، والانتشار الكبير للبعوض والحشرات السامة التي تصيبهم بأمراض خطيرة.
ودعوا السلطات الولائية وعلى رأسها والي ولاية الجزائر عبد القادر زوخ، إلى التدخل العاجل من أجل برمجة البحيرة ضمن مشروع التطهير الذي يعرفه وادي الحراش، من أجل التخفيف من معاناة سكان المنطقة، مشيرين إلى أن البحيرة تمثل ثروة هامة كانت في وقت سابق مصدرا لسقي الفلاحين محاصيلهم الزراعية، إضافة إلى موقعها الاستراتيجي وجمالها الطبيعي الذي يستقطب العديد من الزوار.
حديقة الوئام بحاجة إلى رد الاعتبار
دعا منتخبون بالمجلس الشعبي الولائي للعاصمة السلطات إلى ضرورة إلحاق حديقة الوئام ببن عكنون بوصاية الولاية، لإعادة الاعتبار لها وإنعاشها من جديد، بعد أن باتت عرضة للإهمال والتسيب، لاسيما بعد أن شهدت “دنيا بارك” وحديقة “الحامة” تغييرا جذريا بإلحاقها تحت وصاية ولاية الجزائر، في وقت انتشرت أقاويل بقرار غلق الحديقة لمدة ثلاث سنوات من أجل إعادة تأهيلها من جديد، وشددوا في ذلك على ضرورة إعادة الاعتبار للمرافق والفضاءات العمومية التابعة للوزارات الحكومية، كوزارة الفلاحة والثقافة، من خلال إلحاقها بوصاية الولاية، بعد الوضعية المتدهورة التي تعرفها أغلب تلك المرافق، كما هو الحال بالنسبة لحديقة الحيوانات والتسلية “الوئام” ببن عكنون، التي تضم غابة بآلاف الهكتارات طالها التهميش لسنوات، موضحين في السياق ذاته أن قرار وضع هذه المرافق تحت وصاية ولاية الجزائر، من شأنه إعادة الاعتبار لها وحمايتها من التهميش واللامبالاة في التسيير عن طريق إعادة تهيئتها وإنعاشها والاستثمار فيها، ليتم فتحها مجانا للعاصميين ومختلف زوار العاصمة والاستفادة من مختلف خدماتها.
وأكد المنتخبون أن القرار الحكومي الذي أدى إلى إلحاق فضاء “دنيا بارك” تحت وصاية الولاية بعد الفضيحة المدوية التي أطلقها وزير السياحة السابق، عبد الوهاب نوري، بعد أن أعلن عن تجاوزات وتلاعبات خطيرة عرفها الفضاء في مجال نهب العقار وتوزيعه بطرق “ملتوية” دون أن ننسى الوجهة المجهولة للملايير التي خصصت لهذا المشروع الضخم والتي ذهبت حسب هؤلاء هباء، أكدوا أن القرار أدى إلى اعادة الاعتبار للفضاء وإعادة تأهيله من جديد، وبات حاليا فضاء للترفيه ووجهة العديد من الزوار من العاصمة ومختلف ولايات الوطن، مطالبين بضرورة استكمال القرار الحكومي، عن طريق وضع المرافق الغابية المتواجدة بإقليم العاصمة تحت وصاية مصالح زوخ، من أجل إعادة بعث الحياة فيها بعد سنوات من الإهمال والتسيب.
هذا، وانتشرت أقاويل في الأيام الأخيرة، مفادها أن حديقة الوئام ببن عكنون ستغلق لمدة ثلاث سنوات، من أجل إعادة تأهيلها وتهيئتها من جديد، بعد أن باتت كل اللعب منتهية الصلاحية وتعرّض زوارها للخطر في أية لحظة، وهي الأقاويل التي تبدو أنها صحيحة لاسيما بعد تجديد دعوات المنتخبين بشأن نقل تسيير الحديقة من المصالح الفلاحية إلى ولاية الجزائر.
الحدائق القديمة تعاني وغياب العقار يرهن إنجاز أخرى جديدة
تشكو مجمل الحدائق من وضع كارثي حال دون امكانية استقطاب الزوار إليها رغم أن السلطات أبقت عليها كفضاءات خضراء للترويح عن سكان العاصمة الذين ضاقوا ذرعا من الاكتظاظ السكاني وضغوطات الحياة، فبعد طي صفحة العشرية السوداء التي ألقت بتداعياتها على أوضاع المرافق الترفيهية والحدائق، برزت ظاهرة اللامبالاة التي جعلت من أغلبها مفارغ عمومية صالحة لكل أنواع القاذورات، وأن بعضها أيضا تحول إلى وكر مفضل للمنحرفين وشاربي الخمر لتفقد بذلك جدوى انشائها والمتمثل في تمكين العاصميين من مجالات للترويح عن أنفسهم، في المقابل تعجز كثير من البلديات عن إنشاء حدائق خاصة بها لغياب العقار الذي لا يزال يمنع السلطات المحلية من تحقيق التنمية، فما بالك بالمرافق الترفيهية بحيث يجد الكثيرون أنفسهم مضطرين للجوء إلى الأرصفة والمقاهي بعدما حرموا من المساحات الخضراء وفضاءات للعب الأطفال، وغيرها من المرافق الضرورية، منتقدين حال الحدائق المشهورة في قلب العاصمة على غرار الحرية بديدوش مراد، الساعة الزهرية وحديقة صوفيا بالجزائر الوسطى وغيرها.