* محارق عبر الوطن.. لم تثنِ من عزيمة شعب أراد الحياة
جاء في عدة وثائق فرنسية وعلى لسان جنرالات فرنسيين ومهندسي التعذيب، اعترافات صادمة يروون فيها تفاصيل المجازر الشنيعة التي ارتكبوها في حق الجزائريين الأبرياء منذ أن وطأت أقدامهم تراب الجزائر الطاهر واحتلالهم أرض الوطن الصامد.
فعلى مدار سنوات الاحتلال التي دامت أكثر من قرن، قام جيش الاحتلال بالعديد من المجازر التي وصمت جبينه وجعلت جنرالاته سفاحين ومجرمين يتناولهم التاريخ وتتحدث عنهم الأجيال بكل احتقار، ليستحقوا عن جدارة مزبلة التاريخ.
محرقة الفراشيش.. حصار في مغارة وإشعال النار في الأجساد
من أشهر فظائع الاستعمار الهمجي، يذكر التاريخ محرقة في مغارة الفراشيش بناحية الظهرة في شهر جوان 1835 والتي قام بها العقيد “بليسييه” المكلف بمطاردة أولاد رياح، وهي قبيلة لم يتم إخضاعها للسلطة الفرنسية، لأن مواطن تواجدها تشتمل على كهوف ومغارات عديدة صعبة المنال، وكان عدد أفراد القبيلة يزيد عن ألف نسمة من الرجال والأطفال والنساء، مع ما يملكون من قطعان الغنم.
ويذكر الدكتور عبد العزيز فيلالي في كتابه ”جرائم الجيش الفرنسي في مقاطعتي الجزائر وقسنطينة”، أنه بعد حصارهم داخل المغارة دام يوما واحدا بعده لم يتوان الكولونيل في إضرام النار في فوهات المغارة، فكانت النتيجة ألف ضحية حسب ضابط إسباني كان حاضرا في هذا المشهد، بحيث أعدموا جميعا في هذه المحرقة، فكان المشهد مرعبا.
جرائد تندد والوزير يدافع عن السفاح الذي قام بالمحرقة
ندّدت بعض الجرائد الفرنسية بهذه العملية التي أبادت قبيلة بأكملها، لكن وزير الحربية الفرنسي المارشال سولت دافع عن العقيد ”بيليسييه” الذي قام بالمحرقة وعن تصرفاته الهمجية، وقال إنه لو كان مكانه لفعل أكثر من ذلك، ولم يكن وزير الحربية الوحيد الذي دافع عن السفاح بل شاركه في ذلك زميله في القتل والتنكيل الجنرال بيجو وهنأه على ما فعل.
واقترف السفاح ”كارنوبير” نفس الجريمة في السنة ذاتها 1835 في مكان غير بعيد عن هناك، بحيث جمع الأهالي ووضعهم في مغارة ثم أضرم النار فيها، ووصف أحد القادة هذه المغارة، ”ظلت مقبرة جماعية مغلقة وبداخلها ما يزيد عن خمسمائة جثة”.
“سانت آرنو”.. لغّم محيط الكهف وأحرق كل من فيه
لم تمر إلا بضعة أشهر على محرقة ”كانروبير” حتى ارتكب القائد ”سانت أرنو” محرقة أخرى في كهف اختبأ فيه مئات من الأهالي العزل، فقام هذا السفاح بتلغيم المسافة المحيطة بالكهف وأضرم النار في فوهاته يوم 9 أوت 1835، ويقول السفاح ”أحكمت غلق كل المنافذ، وجعلت من ذلك المكان مقبرة لخمسمائة لص متطرف لن يذبحوا الفرنسيين بعدها”.
محارق عبر الوطن.. لم تثنِ من عزيمة شعب أراد الحياة
ويقول المؤرخون إن هذه المشاهد الإجرامية والمحارق الجماعية لم تكن مقتصرة على جهة دون الأخرى، حيث تعدى الأمر أن يكون فعلا معزولا بل أصبح هواية كل قائد عسكري فرنسي في الميدان تحت أنظار قادته وجنرالاته الذين يحملون شعار الثورة الفرنسية وحقوق الإنسان.
نزيف حتى الموت.. إعدام دون محاكمة
لم يكن إجرام جنرالات فرنسا مقتصرا على المحارق الجماعية بل تعداه إلى ممارسات فظيعة تعكس اللؤم الفرنسي ووحشيته، حيث يقوم العديد من القادة الفرنسيين بإعدام الأسرى بدون محاكمة وقتل الجرحى بدون إسعاف، خلافا لما تنص عليه الاتفاقية الدولية للحرب، فضلا عن جريمة التعذيب في حق الأسرى لاستنطاقهم وانتزاع المعلومات منهم، فكانت السلاسل وقضبان الحديد والتجويع إلى حد الموت وقطع بعض الأعضاء من جسم الأسير كالرؤوس والأذان، كما فعلوا مع نساء واحة الزعاطشة بالإبادة الجماعية لسكانها بعد شهرين من الحصار، انتقاما من الهزيمة التي تكبدوها على أيدي السكان، فبلغ عدد القتلى من الجزائريين أكثر من 800 شخص خلال المعارك و1500 آخرون شنقوا أمام الملأ.
لمياء بن دعاس