دعا السيدان خالد بشراوي نائب رئيس جمعية “البيازرة والصيد بالكواسر”، والسيد ضيف مختار عضو مؤسس بالجمعية في حديثهما لـ “الموعد اليومي” إلى ضرورة الكف عن قول إن ثقافة البيازرة هي فن مستوحى من دول أخرى، وهو مفهوم خاطئ وجب تصحيحه، وهو من بين الأهداف التي تسعى إليها هذه الجمعية، بالإضافة إلى البحث وتطوير هذا الفن وتسليط الضوء عليه أكثر وكذا تمريره للأجيال اللاحقة. كما تطرق الضيفان في معرض حديثهما إلى معنى “البيزرة” وتاريخها الضارب في العمق في منطقة الجلفة وأكدا امتلاكهما لكل ما من شأنه توثيق هذا الفن، عن طريق اللوحات الفنية والفيديوهات، حيث يوجد فيديو يوثق للبيزرة في هذه المنطقة يرجع إلى سنة 1909 بالجلفة.
كيف تعرّفون أو تقدمون أنفسكم لقراء “الموعد اليومي”؟

نحن ضيف مختار وبشراوي خالد عضوان مؤسسان لجمعية بيازرة للصيد بالكواسر، وجمعية بيازرة هي جمعية فتية تأسست عام 2017، برئاسة الدكتور العيد كمال وهو أستاذ بجامعة الجلفة، وتهدف مهام الجمعية أساسا إلى الحفاظ على التراث البيزري الذي يعد تراثا عريقا يمتد لآلاف السنين، ويشكل عنصرا هاما من عناصر الهوية الوطنية الجزائرية.
ماذا تقصدون بـ “البيزرة”، وما هو التراث البيزري؟

البيزرة أو البيازة هي فن تربية وترويض الصقور ومعرفة أحوالها، وهذه الكلمة مشتقة من كلمة “باز” والتي تُطلق في المغرب العربي على جنس الصقر، والتراث البيزري هو تراث جزائري محض وعريق جدا، له خصوصياته التي تميزه عن نظيره ببلدان الخليج العربي من حيث المصطلحات المستعملة ومن حيث تقنيات التدريب والصيد.
وكان هذا التراث وسيلة للاسترزاق من لحوم الطرائد، وكان في بادئ الأمر واسع الانتشار على جميع مناطق السهوب الجزائرية، إلا أن هذا النشاط بدأ ينحسر مع ظهور تقنية البارود الأسهل والأرخص، فبقيت بعض المناطق فقط من بلاد أولاد نايل متمسكة به خصوصا أولاد جلال، بوسعادة والجلفة، ففي هذه المناطق نجد تمسكا كبيرا بهذا التراث وهذا ما نلمسه من خلال الأدب الشعبي للمنطقة كالشعر، النثر، الأمثال الشعبية والقصص.
كما نجد الكثير من المناطق قد تأثرت بالتراث البيزري، فنجد أسماء أماكن عديدة تحمل دلالات بيزرية مثل “كاف الطيور”، “كاف الباز”، “البياز” وغيرها من أسماء الأماكن، ولا يختلف الأمر بالنسبة لأسماء الأعلام فنجد “العارم” و”برنية” للنساء، و”بلعرارم” و”برني” للرجال، وبالنسبة للألقاب نجد “بريني” و”طرشون”، “بحري” وغيرها من الألقاب التي ترمز إلى هذا التراث.
هل تعتبر البيزرة من التراث اللامادي للإنسانية، وهل تم تصنيفه من قبل اليونيسكو؟

أدرجت منظمة اليونيسكو سنة 2010 ضمن قائمة التراث اللامادي للإنسانية. وجـاء في نصها أن البيزرة “باتت تترافق مع روح الصداقة والمشاركة أكثر من اعتبارها مصدر رزق، حيث يتركز هذا النشاط أساسًا على طول خطوط الهجرة وممراتها، يمارسها أشخاص من كل الأعمار سواء كانوا هواة أو محترفين فتتشكل علاقة قوية ورباط روحي بين البيازرة وطيورهم”. وتنتقل البيزرة عبر الأجيال حيث يصطحب البيازرة أبناءهم في خرجات الصيد لتدريبهم على التحكم في الطائر وكسب ثقته. تعتبر اليونيسكو البيزرة كقاعدة لتراث ثقافي أوسع يشمل الأزياء التقليدية، الغذاء، الأغاني، الموسيقى، الشعر والرقص الشعبي.
بغض التعريف بالتراث البيزري، اذكروا لنا بعض المصطلحات البيزرية الجزائرية؟

طبعا هناك الكثير من المصطلحات البيزرية الجزائرية منها:
بياز وهو مدرب الصقر
الشيهان وهو الشاهين
البرني وهو الوكري
عارم تركلي وهو الصقر الحر
الزرش وهو صوت الصقر
الكنبيل وهو برقع من الجلد
الفيلالي وهو ما يوضع على رأس الصقر
القفاز مصنوع من الجلد الخشن ويستعمل من أجل حمل الصقر على اليد
المركزة مجثم للصقر وتصنع من مادتي الخشب أو الحلفاء
الجابة تصنع من جناح طريدة كالحبارى من أجل تدريب الصقر
السمايك مصنوعة من الجلد تربط بها رجل الصقر حتى لا يهرب
الأزراش وهي أجراس توضع في رجل الصقر
كيف تتم عملية اصطياد الصقر؟

لقد كان أجدادنا يصطادون الصقور في شهر أكتوبر، ثم يدربونها على الصيد ويصطادون بها ثم يطلقون سراحها في البرية أوائل فصل الربيع كي تتكاثر في احترام تام للطبيعة وقوانينها.
أما عن تقنية إمساك الصقور لاستعمالها في البيازة، فكانت تعتمد على صنع “الشرك”، وهو عبارة عن “خراص” تصنع من سبيب الخيل “شعر رقبة الحصان”، وهذه الخراص تعلق على ظهر حمامة مربوطة بثقل وتوضع في أماكن مرور الصقر وعندما يرى الصقر الحمامة ينقض عليها فتعلق مخالبه ولا يتمكن من الطيران بسبب الحمامة المثقلة، فيأتي البياز ويضع “الكنبيل” على رأس الصقر حتى يهدأ ويباشر بعدها عملية التدريب وكسب ثقة الطير.
كيف تتم عملية تدريب الصقر؟

يعتمد تدريب الصقر على تجويعه ليتم بعدها إطعامه في فترات محددة والنداء عليه باسم معين حتى يرتبط هذا النداء بالأكل بعد الجوع، وبالتالي يتشكل تدريجيا رباط بين الصقر ومربيه وتتعزز الثقة بينهما أكثر فأكثر.
ويستغرق التدريب المكتمل من 30 إلى 40 يوما، وقد تزيد هذه المدة أو تنقص حسب نوع الطير واجتهاد البياز، وهي مرحلة متعبة جدا وتتطلب الكثير من الصبر.
أغلب الجزائريين يجهلون التراث البيزري، لماذا برأيكم؟

صعوبة تربية الصقر وتكلفة تربيته أدت إلى العزوف عن هذه الهواية واللجوء إلى الصيد بوسائل أسهل، ومن أبرز هذه الوسائل بنادق الصيد وهذا ما جعل ممارسي هذا النشاط في تناقص مستمر، وهناك سبب ثانٍ وهو أن هذا التراث لم يتم إنصافه ولا دعمه، فقد كان في السابق تأسيس الجمعيات في مجال البيزرة من سابع المستحيلات بسبب القوانين البيئية والتشريع الذي لم يأخذ بعين الاعتبار خصوصية المجتمع وثقافته.
كل هذه الأسباب ولعقود عديدة أدت إلى انحصار نشاط البيزرة من حيث الرقعة الجغرافية ومن حيث عدد البيازين، وبالتالي ظهور أجيال جديدة تجهل تماما هذا الإرث المحلي.
ما هي شروط الحصول على رخصة حيازة صقر؟

للحصول على رخصة حيازة صقر، يجب على الراغب في هذا الأمر أن يكون منخرطا في جمعية معتمدة في مجال الصيد بالكواسر، وهذا حسب المرسوم التنفيذي 10-70 المؤرخ في 31 جانفي 2010، غير أن هذا الأمر ما زال مقيدا بعدم صدور بعض القرارات الوزارية التي تؤطر هذا الأمر.
هل لديكم مشاركات داخل الوطن أو خارجه؟

جمعية بيازرة كانت حاضرة منذ العام الأول لتأسيسها في العديد من المعارض والتظاهرات الوطنية مثل المخيمات وشهور التراث، وخلال اليوم العالمي للبيزرة المصادف لـ 16 نوفمبر من كل سنة، وهذا قصد التعريف بهذا التراث الثقافي لدى الجمهور العريض.
إضافة إلى ذلك كان لجمعية بيازرة نشاطات متنوعة مرتبطة بحماية البيئة والكواسر مثل معالجة الصقور المصابة وتأهيلها وإطلاق سراحها بحضور السلطات المختصة، وللتعرف أكثر على نشاط الجمعية وأهدافها ندعو قراء “الموعد اليومي” لزيارة موقع الجمعية الرسمي أو الاطلاع على صفحتها الرسمية على الفايسبوك.
كما كانت للجمعية نشاطات دولية كمشاركتها سنة 2018 في مدينة بامبرغ بألمانيا في اجتماع الإتحاد العالمي للبيزرة وحماية الكواسر، حيث تم تمثيلها من قبل أمينها العام السيد ضيف علي، أين عرض مداخلة باللغة الإنجليزية حول تراث البيزرة الجزائرية وتكللت هذه المداخلة بانضمام إلى هذا الإتحاد العالمي.
وفي سنة 2019 شاركت جمعية بيازرة كذلك في اجتماع الإتحاد العالمي للبيزرة وحماية الكواسر بمدينة كرمونة الإسبانية.
هل هناك برامج أو مشاريع مستقبلية؟

تسعى جمعيتنا إلى نشر التراث البيزري الجزائري ونقله للأجيال القادمة، وهذا من خلال معارضها وكذا حملاتها التوعوية في المؤسسات التربوية، وتنفيذا لأهدافها المسطرة التي أُنشئت من أجلها، تسعى جمعية البيزرة إلى إنشاء محميات طبيعية ومراكز لتكاثر الصقور ولطرائدها التقليدية المتمثلة في الأرانب والحبارى، وهذا من شأنه أن يحمي الحياة الفطرية لها، كما يسمح بجلب السياحة الصيدية التي ستساهم في تعزيز مكانة البيزرة الجزائرية والتعريف بها على المستوى المحلي والدولي.
ما هي العراقيل التي تواجهكم في سبيل الحفاظ على هذا التراث؟
أبرز وأهم العراقيل التي نواجهها هي عراقيل إدارية، ولهذا ومن خلال جريدتكم، نتمنى من أصحاب القرار والفاعلين في مجال التراث والبيئة أن ينظروا إلى التراث البيزري بعين راعية، وألا يدخروا جهدا من أجل الحفاظ على هذا التراث المهدد بالزوال، وهذا من خلال إزالة العراقيل الإدارية وسن القوانين والمراسيم المؤطرة لهذه الهواية حتى يتمكن البياز من حمل صقره وممارسة نشاطه في كافة أرجاء وربوع وطننا الحبيب دون أي خوف.
كيف تريدون ختم اللقاء؟

في ختام لقائنا هذا نود توجيه شكرنا الجزيل للدكتور رئيس جمعية بيازرة، العيد كمال، الذي كان له الفضل الكبير في إحياء هذا التراث الجزائري والتعريف به على المستوى المحلي والدولي.
كما نوجه تحية تقدير وعرفان لكل الأعضاء المؤسسين لجمعية بيازرة ومنخرطيها على ما قدموه ويقدمونه من تضحيات في سبيل المحافظة على التراث البيزري، ولكل البيازين الذين يصارعون من أجل أن يحيا هذا التراث ويستمر، وشكر موصول لكل من ساهموا ويساهمون في نفض الغبار عن الدرر المكنونة لهذا الإرث الثقافي العريق.
حوار: لمياء بن دعاس