جمال بريشة الطبيعة ولون من ألوان الحضارة, ڤالمة …سحر الأسطورة وجمال الطبيعة

elmaouid

بين السلاسل الجبلية الضخمة، والغابات المتنوعة، تتموقع ولاية ڤالمة  لتشكل موطنا للهدوء والراحة النفسية، فغناها بالمساحات الخضراء يدعو للتنزه بين الجبال وحقول الأزهار الجميلة، التي تشكل إحدى الروائع التي

رسمتها ريشة الطبيعة بألوان دافئة دفء المياه المعدنية التي تخرج من جوفها، وبلمسات ساحرة سحر شلالها الشامخ.

 

المدينة الحاضنة لمعالم أثرية تروي تاريخ الحضارات التي مرت بها منذ غابر العصور، ومن معالم الولاية نقوش ونصب جنائزية تدل على أنها كانت من أهم مدن المملكة النوميدية لـ”ماسينيسا”، وأنها كانت مركزا تجاريا هاما للفينيقيين.

تعتبر مدينة ڤالمة من أقدم وأكبر المدن الجزائرية لاحتوائها على عدة معالم تاريخية، نذكر منها؛ الثكنة العسكرية والمسرح الروماني بوسط المدينة. عندما تدخل إلى هذا المسرح تعود بك الأيام بـ400 ألف سنة إلى الوراء.. وبهذا المعلم الذي تم ترميمه بعد الاستقلال توجد تماثيل على غرار تمثال ”اسكلاب” إله الطب عند الرومان، وأنصاب جنائزية لاتينية في مدينة الأموات بالركنية، مدينة تيبيليس الرومانية بسلاوة عنونة، وهي كلها تضفي بهاء ثقافيا يضاف إلى البهاء الطبيعي الذي يمنحه لها جبل ماونة الذي يوجد على ارتفاع 1411م، ومحمية بني صالح الغنية بثرواتها الحيوانية والنباتية ببوشقوف.

بعيدا عن موقع الآثار، تبدو ڤالمة المدينة مكتظة بالسكان ومليئة بالمحلات التجارية التي يتطلب التسوق فيها النزول تارة والصعود تارة أخرى تماشيا مع طبيعة الولاية الجبلية. وفي وسط ساحتها العمومية تكثر حركات الذهاب والإياب لشرائح من مختلف الأعمار، في الوقت الذي يشكل كبار السن حلقات في قلب هذه الساحة التي يظهر للزائر أنها ملتقى لتجاذب أطراف الحديث، وتمضية بعض الأوقات الممتعة بعيدا عن أسوار المنزل. هذه الولاية يغزوها أيضا النشاط التجاري المتمحور أساسا حول الألبسة والحلي والتوابل ….باختصار، ولاية ڤالمة هي مقصد الباحثين عن الانتعاش والعلاج عن طريق المياه المعدنية والمحتاجين للانشراح الذي يتأتى من مجرد تأمل مشاهدها الطبيعية الجذابة.

 

أسطورة الاسم من أسطورة التاريخ

 

تقول الأسطورة القديمة إن الاسم القديم لمدينة ڤالمة مؤلف من كلمتين “اَلْقَى ـ الما” أي “وجد الماء”، وتعود قصة هذه الأسطورة التي يراها بعض المؤرخين خيالية، إلى قافلة من عربان الصحراء ، يروى أنهم حلوا لأول مرة بالمنطقة، وقبل وصولهم، أرسلوا فارسا يبحث عن مكان ملائم به ماء، كي تحط القافلة الرحال به، وعاد الفارس بالبشرى إلى رفاقه وهو يُردد “القَيتْ الما.. القَيتْ الما..” فأخذ مرافقوه يرددون بفرح”ألقى الما”، ويقال بأنه مع الوقت، التأمت الكلمتان فأصبحتا اسما واحدا هو “ڤالمة”.

فيما يقول الكثيرون أن هذه الأسطورة باطلة، لأن منطقة ڤالمة منذ القدم وحتى اليوم، تنتشر بها الينابيع، كما أن اسم ڤالمة كان معروفا قبل دخول الرومان، فكيف يُعقل أن يُطلق بدو رحل هذا الاسم على المدينة..

من جانب آخر تشير بعض الدراسات إلى أن مدينة ڤالمة، كانت تدعى في العهد البونيقي “مالقا” أو “مالكا” والتي تعني “الملكة”، وأُطلق عليها هذا الاسم تخليدا لأحد الملوك، أو لأنها تشبه الملكة الجالسة على عرشها بين شعبها وجندها، إذا ما نظر إليها الإنسان من أعلى مكان، كما يقول بعض المؤرخين.

 

مقصد للاستجمام ومنابع للراحة

تعتبر ولاية ڤالمة الوجهة الرئيسية للكثير من السياح، فهي مقصد للاستجمام والراحة خاصة وأنها معروفة وغنية بالمياه والشلالات المعدنية الساخنة والتي تستخدم في علاج الكثير من الامراض خاصة تلك التي لها علاقة بالعظام.

وعليه فإن ولاية ڤالمة تستقبل أسبوعيا آلاف الزائرين والسياح من مختلف ربوع البلد، ففي كل شتاء وربيع  تكتظ الشوارع والحدائق والمساحات العمومية ببلدية (حمام دباغ) والمعروفة بمركباتها السياحية وشلالها الذهبي، فيتقاسم الوافدون من عائلات وتلاميذ المدارس والثانويات وطلبة الجامعة حبا واحدا هو التمتع بحرارة المياه الطبيعية.

 

حمام دباغ ..المعبر الإجباري

وتحظى منطقة (حمام دباغ) بحصة الأسد من الإقبال والاهتمام والتسويق الإعلامي. كما تعد معبرا (إجباريا) لكل الزائرين لولاية ڤالمة لما تتوفر عليه من ثروات طبيعية كالشلال والبحيرة الجوفية لبئر بن عصمان ومرافق الإيواء والاستقبال كالمركبات ومراكز الراحة الخاصة بالمجاهدين وبعض القطاعات الهامة.

ولا تزال هذه البلدية تعرف إلى غاية الوقت الحالي بتسمية (حمام المسخوطين) متغذية بأسطورة نسجتها المخيلة الشعبية البدائية في تفسيرها لتميز المكان، مفادها أنه تم ارتكاب زواج آثم بين أخ وأخته مما جلب سخط الإله الذي مسخ كل من حضر الحفل وحولهم إلى صخور.

 

 

المسرح الروماني ..تحفة فنية شاهدة على الأعمال العظيمة

مازال المسرح الروماني للمدينة شاهدا على ماض حافل بالأعمال العظيمة، فهذا المسرح يعد بحق تحفة فنية في الهندسة المعمارية، وتكمن أهميته خاصة في محافظته على كيانه حتى اليوم بالصورة التي كان عليها منذ آلاف السنين رغم أشغال الترميم التي طالته أكثر من مرة.

ويذكر المؤرخون أن هذا المعلم التاريخي الهام بنته ما بين القرن الثاني عشر والثالث عشر راهبة معبد المدينة، وتدعى (آنيا إيليا ريستيتوتا) وقد بلغت تكاليف بنائه حوالي ثلاثين ألف قطعة ذهبية، وهو على شكل نصف دائرة، ويحتوي على عدة مقصورات خصصت للأعيان وكبار موظفي الدولة، ومدرجات مخصصة لعامة الشعب، بالإضافة إلى منصة واسعة يعتقد أنها كانت مخصصة للمصارعة مع الحيوانات المفترسة، وخصوصا الأسود التي كانت موجودة بكثرة في المنطقة. 

وتتسع مدرجات المسرح الروماني لأكثر من 500 متفرج، وقد عرف خلال السبعينيات والثمانينيات عديد الأنشطة الثقافية الوطنية الهامة، وغنى على خشبته بعض المطربين الجزائريين والعرب، نذكر منهم المطرب اللبناني الكبير وديع الصافي والمطربة السورية اللامعة ميادة الحناوي وشقيقتها فاتن الحناوي، وكان  على مدى عقدين من الزمن قبلة السياح الأجانب، كما كان تلاميذ المدارس يزورونه كل أسبوع للتعرف على طابعه المعماري الجميل ومحتوياته النادرة من تماثيل وفسيفساء ونقود. والغريب أن هذا الهيكل الأثري الكبير، والذي يعتبر من أهم المسارح الأثرية في العالم العربي لحفاظه على طابعه القديم ومكوناته من أسوار وجدران ومدرجات وخشبة وغيرها، أصابه اليوم شلل تام ولم يعد يمارس أي نشاط يذكر، كما أصبح لا يستقبل تلاميذ المدارس ولا السياح الأجانب الذين يجدون أبوابه مغلقة طوال السنة.