أساس كل عمل ناجح هو سيناريو دقيق وواضح، وحوار مبني أيضا بأسلوب واضح خاصة في الكوميديا، حيث يجب أن يراعي الكاتب الجانب الفكاهي، دون المساس بالحوار من ناحية العمق والمعنى، وخاصة بعيدا عن الصراخ واستجداء الضحك والوقوع في التفاهة.
هذه المقاربة الدرامية نجح في تجسيدها المخرج جعفر قاسم عبر مسلسله “دار لفشوش” في موسمه الثاني الذي كان مميزا بشهادة النقاد على غرار الموسم الأول.
ففي الوقت الذي يرفض فيه بعض المخرجين وكتّاب السيناريو، بعد نجاح عملهم الأوّل، كتابة أو إخراج العمل نفسه في أجزاء أو مواسم ثانية وثالثة، يتجلى جعفر قاسم كمخرج بطل لهذه الفكرة، فمنذ أن اشتهر بسلسلة “ناس ملاح سيتي”، مرورا بـ “جمعي فاميلي” ووصولا إلى “عاشور العاشر”، لم يجد حرجا دراميا لتكون هذه الأعمال بأجزاء متعدّدة.
ولعلّ الشخصيات التي بنى عليها أعماله، رأى المخرج أنّها تستحق حياة أكبر، بأبعاد مختلفة، خاصة وأنّها لاقت استحسان الجمهور، وقبولا، بل وأحبوا مثلا شخصية عاشور العاشر، ولحدّ الآن لا يزال الممثل صالح أوقروت، الذي أدى هذا الدور، محبوب الجزائريين، دون منازع بفضل أدائه البارع.
لكن هذه المرة في “دار لفشوش” الموسم الثاني، قام جعفر قاسم بإضافة شخصية أخرى، وأعطى مساحات أكبر لبعض الممثلين، كما استضاف بعضا نقلوا هذا العمل إلى مستوى آخر من الفكاهة، هذا المستوى يشبه أسلوب المخرج وبصمته واضحة ولافتة.
في الجزء الثاني من العمل، تظهر مينة لشطر في دور “دوجة”، كبطلة جديدة لهذه السلسلة، وتؤدي أيضا دور “دليلة” زوجة محامي عائلة فشوش “مبروك” (أمين ميسوم)، التي تقتحم بيت العائلة على أساس أنّها الزوجة الثانية للسيد “عبد الله” المتوفي، ومن حقها أن ترث 33 بالمائة من التركة، فيقوم هذا الثنائي بحيل عديدة لانتزاع هذا الميراث من “محي الدين فشوش” (عثمان بن داود).
واتّسعت مساحة الممثلة رميساء غزالي التي أدّت دور “زينب”، البنت الصغرى للعائلة، لتشكّل محركّا مفصليا للحبكة الدرامية، فبفضلها تكتشف حيلة “مبروك” وتجد السيدة “دوجة” الحقيقية بينما تراجعت مساحة الممثل مروان قروابي، الذي كان بطل الموسم الأوّل في دور “لحلو”، بعدما خرج من بيت العائلة، ليستقر في عمله في مقهى شعبي، ودوره كان بمثابة الملجأ لكلّ مشاكل عائلة فشوش، والمنقذ في كلّ مرة.
كما أضاف المخرج، وهو كاتب السيناريو أيضا، شخصية “جمال” (أدى الدور إسلام بوختاش)، زوج “فضيلة” (نسرين عمروش) ابنة “محي الدين فشوش”، الذي يحاول أن ينال بعض التمويل من أجل أن يشارك في أعمال تلفزيونية ولو في أدوار بسيطة.
وعالج العمل نكسة الفنان التشكيلي، من خلال شخصية “نرجس” (أسماء محجان)، وهي البنت الوسطى لعائلة فشوش، تملك موهبة الرسم، غير أنّها لا تستطيع أن تبيع لوحاتها.
واتكأت السلسلة على عوامل كثيرة لتقديم قصة “دار لفشوش” في أبهى صورة، فالمخرج لم يفوت أيّ جزئية، لرسم صورة نموذجية لعائلة غنية، متمسّكة بأصولها.
وركّز المخرج جعفر قاسم على تقديم شخصيات عمله في ديكور راق، باللوحات الفنية مثلا، كما لم يغفل عن هندام الممثلين، فخدم المطبخ لهم لباسهم الخاص، وكذلك خدم النظافة، والمسؤول عن الحديقة له لباسه الخاص، والأكثر من ذلك ظهرت جودة في لباس عائلة فشوش، والتي عادت للتراث الجزائري الأصيل، وأظهر المخرج اللباس التقليدي في أبهى حلة.
شكّل الممثل الهادي تير حضورا مميّزا من خلال أدائه لشخصية “لمنور” مسؤول حديقة بيت عائلة فشوش، وقدّم بكاريزما عالية دورا أحبه المشاهد الجزائري، وأحبّ جمله العجيبة غير المنتظرة في كلّ حوار يؤديه.
جعفر قاسم وكعادته ومن خلال عمله الجماعي حرص على رسم الشخصيات بدقة وعناية مركزة بطريقة يكون لكل شخصية قالبها المعين، ماضيها، أهدافها، وطريقة حديثها.
ب-ص
