جزائريون بين الرقية الشرعية والعلاج النفسي … الطبيب النفسي  “طابوه” يعيبه المجتمع

elmaouid

يصاب الإنسان بأمراض عضوية، عادة ما لا يتوانى في اللجوء إلى الطبيب من أجل علاجها، أما إذا تعلق الأمر بمرض نفسي، فالأمر مختلف، خاصة وأن معظم الناس ينظرون إلى الطبيب النفسي بأنه مختص في علاج

المختلين عقليا  أو المجانين.

ورغم كل ما قيل في هذا الخصوص، إلا أنه تبين لنا من خلال هذا الاستطلاع أنه توجد فئة قليلة من المجتمع بدأت مؤخرا بالاتجاه إلى الطبيب النفسي لعرض مشاكلها النفسية عليه والبحث عن العلاج المناسب، لكن مع التأكيد والحرص الشديد على أن يبقى الأمر سرا.

 

دخول العيادة النفسية يعد بمثابة الفضيحة

أكدت لنا “فاطمة.م” سيدة في العقد الثالث من عمرها وأم لثلاثة أطفال أنها تعاني من مشاكل نفسية عديدة، حيث قالت “نحن قد نتعرض إلى بعض المشاكل في حياتنا فنتجاهلها ونتركها تتفاقم دون اللجوء إلى العلاج النفسي”، مضيفة “أنه مع مرور الوقت تقوم هذه  التراكمات مجرى الحياة، بحيث تؤثر سلبا على حياتنا وهذا ما حدث لي، حيث لم أعط للأمر أهمية في بادئ الأمر لكن بعد تطور الوضع وتعقد الأمور أصبحت تصرفاتي غريبة وتدهورت حالتي من سيء إلى أسوأ، فقرر زوجي استدعاء الراقي لمعالجتي على طريقة الرقية الشرعية إلى جانب وصفه لي بعض العقاقير، لكن دون جدوى، الأمر الذي حتم عليّ اللجوء إلى مختص نفسي”، وقالت هذه السيدة إن ما أثار استغرابها هو عدم تقبل زوجها لهذه  الخطوة التي أقدمت عليها، حيث قابلها بالرفض مؤكدا لها بأنها ليست مختلة عقلية والرقية الشرعية كافية لحل مشاكلها.

وبدوره أكد لنا  السيد “عقبة.ب” شاب في مقتبل العمر بأنه يعاني من اضطرابات نفسية حادة قائلا: “حياتي الآن في خطر ومستقبلي على المحك، في بادئ الأمر استهنت بالأمر ولم أر أن هناك داعيا للعلاج، بحيث سمعت مرارا على لسان أصدقائي أن هناك أناسا كثيرون تعرضوا إلى أعراض تشبه ما كنت أعاني منه، وهم الآن بخير، لكن مع مرور الوقت ازداد الأمر تعقيدا، حيث تطور إلى أشياء أخرى كنت في غنى عنها، كما أن  تصرفاتي كانت  غريبة ومقلقة لأهلي أكثر مني، لأنني كنت أرى دائما نفسي على حق وهم من يزعجونني إلى أن جاء اليوم الذي توجهت فيه إلى طبيب أعصاب، وهناك بدأت رحلتي نحو المجهول باعتبار أن المشكل كان يستدعي في البداية الذهاب إلى الأخصائي النفسي، خاصة وأن ذلك الطبيب وصف لي  بعض الأدوية دون حاجتي إليها، ما زاد الأمر سوءا، وكل هذا كان يتم بسرية تامة حتى علم والدي بالموضوع فثارت ثائرته وأخذ الأدوية وأتلفها، وقال لي (أنا لم أنجب “المهابل”) وهذا ما زاد الطين بلة وأصبحت سيرتي على كل لسان وصرت في نظر الجميع مريضا ومعقدا، ما حول حياتي إلى جحيم وتحولت إلى مدمن أدوية، بحيث لا يمكنني النوم ولا حتى التركيز في عملي إلا بتناول الحبوب المهدئة.

وخلال تحضيرنا لهذا الموضوع، التقينا  بمختصة نفسية “ق.ح” بدورها كانت لها تجربة هي الأخرى مع الطبيب النفساني، مشيرة إلى أن مشاكلها بدأت بعد فشل زواجها، بحيث لم تستطع مواجهة الأمر وتحمله الأمر الذي جعلها تتصل بصديقتها النفسانية لطرح مشكلتها عليها، وقالت بأنها تناولت الدواء إلى جانب الخضوع إلى عدة جلسات علاجية ما جعلها تشفى تماما، مؤكدة هي الأخرى أن الأمر تم في سرية تامة على الرغم من أنها من أهل الاختصاص.

 

المختصة النفسية قلاي جميلة: “جهل المجتمع للطب النفسي يؤدي إلى تفاقم الأمراض النفسية”

أكدت لنا المختصة النفسية قلاي جميلة أن سبب عزوف المواطنين عن التوجه إلى العيادات النفسية يعود  إلى أسباب عديدة كتعود الجزائريين على الذهاب إلى  الرقاة والمشعوذين والطب البديل، وعندما  لا يجدون النتيجة المرجوة  يذهبون  إلى الطبيب النفسي باعتباره آخر مرحلة يمكن المرور بها في نظرهم، موضحة في نفس الوقت أن شباب اليوم بدأ باستيعاب الفكرة وفهم معنى العلاج وأهميته، لكن ومع ذلك فهم  يحرصون أن يبقى الأمر سرا سواء كان المريض من جنس أنثى أو ذكر، وقالت المختصة إن المريض عندما يأتي للعلاج لا يأتي عن قناعة بحيث يكون مترددا فيما كانت خطوته صائبة أم لا، والأدهى أن الكثير من الناس يتميزون بعدم الصبر خاصة وأن العلاج النفسي يتطلب وقتا لا بأس به للشفاء فيوقفون العلاج أحيانا من الجلسة الأولى أو الثانية على الأكثر، مع مداومتهم على تناول الأدوية التي وصفت لهم من أول جلسة وهذا الأمر يعتبر خطيرا وخاطئا ويؤدي إلى عواقب وخيمة تدمر المريض وفي نفس الوقت تسيء إلى سمعة الطبيب والعلاج النفسي ككل، بالإضافة إلى خوفهم من نظرة المجتمع التي تحكم على من يتردد على الطبيب النفسي أنه إنسان غير سوي، وتضيف قائلة أن الضغوط الاجتماعية والحياة الصعبة خلفت الكثير من المرضى النفسانيين، لكن هؤلاء لا يجدون من يوجههم الوجهة الصحيحة وبحكم تجربتي المهنية فإن الإقبال لم تتجاوز نسبته حوالي 40 بالمائة نظرا لتوجه  أغلبيتهم إلى العلاج بالطرق التقليدية لأنهم يحملون نظرة خاطئة عن الأدوية التي يصفها لهم المعالج النفسي، كما أن الكبت النفسي يزيد الأمر تعقيدا ويساهم في ظاهرة تفشي الاكتئاب وانفصام الشخصية والانهيارات العصبية، مشددة على ضرورة اهتمام الجهات المختصة أكثر بالصحة النفسية لأفراد المجتمع مثل تزويد كل مؤسسات الدولة وخاصة التربوية بالأخصائيين النفسانيين، فقط بهذه الطريقة نستطيع تجاوز هذا الحاجز.

 

عادل قايد باحث في علم النفس الاجتماعي: “المجتمع الجزائري منغلق تنقصه الثقافة النفسية”

وفي نفس الموضوع،  فسر الأستاذ عادل قايد الباحث في علم النفس الاجتماعي هذا الخوف بالعديد من الأسباب من بينها الأمية السيكولوجية والوضع العام السائد في المجتمع الجزائري، ويرجع ذلك إلى انعدام الثقافة النفسية، بحيث كل ما يتعلق بالحياة النفسية كالنمو النفسي للأفراد والمشكلات التي تعترض هذا النمو على سبيل المثال الخصوصية النفسية لمختلف مراحل النمو، الطفولة والمراهقة وكذا الشيخوخة، كل هذه الأمور يجهلها أفراد المجتمع، ومن مظاهر هذه الأمية السيكولوجية أيضا عدم معرفة دور المختص النفسي أو الطبيب النفسي في المعالجة والتخفيف من حدة الاضطرابات النفسية، بالإضافة إلى تجاهل إمكانية أن يصاب أي شخص من المجتمع باضطراب نفسي، فهو مرض مثله مثل المرض العضوي ويحتاج إلى علاج فقط يجب التمييز بين الطبيب النفسي والأخصائي النفسي، فالطبيب النفسي يعالج الاضطرابات النفسية الحادة ويقدم علاجا كيميائيا يعتمد على الأدوية على عكس الأخصائي النفساني فهو يتعامل مع الحالات النفسية بشكل عام، بالإضافة إلى أنه يستعمل العلاجات النفسية مثل الجلسات.

كما نجد أسبابا ثقافية تدخل في تركيبة المجتمع وهو ما أثبتته الدراسات النفسية الاجتماعية الحديثة، حيث أن الجنين يتأثر بالحالة النفسية التي تكون عليها الأم، وبالتالي تؤثر على حياته المستقبلية، فبعض الأشخاص عندهم مشكلة نفسية داخلية لا يرغبون  في الاعتراف بها وأحيانا لا يدركونها، و هنا تجدهم يتهمون الآخرين بأنهم مجانين عندما يذهبون عند المختص النفساني وهذا فقط لتبرير الحالة التي هو عليها.

بالإضافة إلى الرّقابة الاجتماعية التي تعتبر آلية تقنية اجتماعية وثقافية، فالجزائري بطبعه الفضولي الذي يدفعه إلى معرفة كل شيء عن الناس، لكن في نفس الوقت يحرص على ألا يعرف أحد عنه شيئاً لأنّ العلاقات الاجتماعية مبنية بالدرجة الأولى على المصالح، لذا تجده ليس لديه ثقة حتى في الطبيب المعالج. فانعدام الثقة و الخوف من كشف الأسرار الشّخصية و الحديث عن المكنونات هو ما ساهم في عدم ممارسة الطبيب لعلاجه على أكمل وجه، و المجتمع الجزائري مجتمع منغلق، و لا يعطي الفرصة للفرد لتطوير الذات على سبيل المثال منع الأطفال من الكلام و التعبير عما بداخلهم، هذه الأمور تبدو في الظاهر بسيطة لكن عواقبها وخيمة لأنّ نظام المجتمع تقليدي و نحن نعيش في قالب عصري في الظاهر و لكن مضمون حياتنا الاجتماعية تقليدي محض، وكل هذه الأسباب تؤدي إلى تنفير الأفراد من الذّهاب عند المختّص النفساني.

ولتجاوز هذه الخلفيات و المفاهيم الخاطئة، نحن مطالبون بمحاولة تغيير الصورة عن المرض النفسي و الطب النفسي، لابد ّ أن نفهم أنّ كل واحد منّا يمكن أن يصاب بمرض نفسي و الذي يساعدنا على تجاوز هذا المرض هو الأخصّائي النفسي أو الطبيب النفسي.

 

الشيخ رابح:”الرقية الشّرعية غير كافية والطب النفسي ضروري”

يقوم  المريض عادة  في بداية العلاج  بالتوجه إلى الرقية الشرعية و العلاج النفسي، وفي حالة استعصاء الأمر و في حالة عجز الراقي عن شفاء الحالة، يقوم بتوجيه المريض إلى أخذ العلاج عند أخصائي نفساني لأنّ كلمة الراقي مسموعة بعد توعيته وإقناعه بإيجابيات العلاج النفسي، وفي هذا الخصوص  قال الشيخ “رابح .ب”  إمام و خطيب مختص في الرقية الشرعية :”عن نفسي أرى أنّ الرقية الشرعية غير كافية لأنّ معظم الحالات التي عالجتها تعاني من أمراض دخيلة على المجتمعات الإسلامية مثل الاكتئاب، القلق و الهستيريا، وكل هذه  الأمراض تحتاج إلى الجلسات النفسية، بالإضافة إلى العلاج النفسي الديني والجمع بين الرقية الشرعية والعلاج النفسي الديني لا يمكن الاستغناء عن المختصين في علم النفس، وبحكم الوقت الطويل الذي يأخذه العلاج النفسي نجد الكثير من الأطباء اليوم يفقدون المصداقية بسبب المدخول المادي، فالطبيب النفسي اليوم لا يقوم بتقديم العلاج الكافي وبالتالي يلجأ إلى السرعة، ولهذا السبب لا يأتي العلاج بالثمار المرجوة، وفي الأخير نصيحتي للرقاة بألا يتلاعبوا بنفوس البشر وفي حالة ما إذا استعصى عليهم الأمر يقومون بتوجيه الحالة إلى أهل  الاختصاص.