ظلت المقاهي المكان المفضل الذي يلتقي فيه الجزائريون بشكل عام منذ قديم الزمان، وهي التي لا نراها مغلقة أبدا، اضطرت إلى غلق أبوابها بقرار حكومي للوقاية من فيروس كورونا المستجد، فحرم الشباب والكهول وحتى الشيوخ من التنفيس عن همومهم، بارتشاف فنجان قهوة ساخن لشحن طاقة يوم جديد، واستقبال أخبار تعوّد بعضهم التقاطها هناك.
انتشار فيروس كورونا المستجد، استدعى تأهب الجميع سلطة وشعبا للوقاية من انتقال عدواه، فجاء غلق المقاهي والمساجد كأصعب قرار تلقاه الجزائريون سواء من البسطاء أو النخبة، فهي الأماكن التي تعلقت بها قلوبهم وتعوّد بعض الناس على ارتيادها طيلة حياتهم، فالمقاهي تأتي مكانتها بعد المساجد في الأحياء الشعبية والعريقة.
مقاهٍ مفتوحة لقرون تغلق أبوابها
يعود تواجد بعض المقاهي في الجزائر إلى بداية دخول الاستعمار الفرنسي، وبعضها كانت في سنوات مضت بمثابة نوادٍ ثقافية، ومزارٍ للفنانين، وكبار الكتّاب، كمقهى “طانطنفيل” الذي بني منذ 150 عاما، لا يزال وجهة للفنانين والممثلين، بحكم محاذاته للمسرح الوطني “محيي الدين بشطارزي”، لكن في ظل الحجر الصحي المنزلي وغلق المقاهي كأماكن عمومية قد تساهم في نشر عدوى كورونا، أصبح فضاء صامدا مثله مثل مقهى “مالاكوف” الواقع في القصبة، العلبة السوداء، لذاكرة كبار المشاهير والعاصمة، ومقهى التلمساني، ببورسعيد “سكوار” الذي طالما تردد عليه المرحوم دحمان الحراشي وملأ أرجاءه بصوته الفريد.
مكان لرصد الأخبار وتحليلها أيضا
رغم الأجهزة التكنولوجية، وهيمنة منصات التواصل الاجتماعي على حياة شريحة لا بأس بها من المجتمع، إلا أن المقهى ظل ملتقى الغرباء والأصدقاء، ومكان الجلوس إلى طاولاته خارج العائلة.
وهو فضاء للتواصل، والأخذ بالآراء، والمشاكل العامة، ويتحدث مرتادوه عن كل شيء في المجتمع، والوضع العام له، ويعتمد الذين لا يقرؤون الصحف ولا يتابعون الأخبار عبر التلفزيون، على من يلخصها لهم في المقاهي.
من جهة أخرى، وللأسف أصبح المقهى وخاصة في الأحياء الشعبية، مكانا لتشويه سمعة الأشخاص والنميمة وتداول الإشاعات، وغابت عنه فئة مثقفة تطرح أفكارها، كما سبق، وهي تتذوق فنجان قهوة أو كأس شاي ساخن. وفئة الشباب في الغالب تشرب فنجان القهوة، على عجل، وهي منشغلة بهواتفها الذكية.
قلق واكتئاب لدى المدمنين على المقاهي
وجد المختصون في علم النفس أن غلق المقاهي لمدة تزيد عن أسبوع، قد تتسبب لدى زبائنها المدمنين عليها، وهم خاصة من فئة المتقاعدين في حالة قلق واكتئاب، واضطرابات نفسية جراء تعودهم الجلوس فيها، حيث يجد هؤلاء الفراغ ونوعا من المضايقة النفسية تؤثر عليهم داخل العائلة.
فالمقهى بمثابة ملتقى عام، يشمل جميع الفئات، وهي فضاءات للترويح والخروج من الضغوطات النفسية، حيث يشعر بعض زبائنها بالارتياح، فهي مكان لنفض الهموم والمشاكل الاجتماعية، والأسرية، والتخلص منها بعد أن تتلاشى بإخراج المكبوتات، وتفريغها من خلال الاحتكاك بالآخرين.
وأكد الخبراء تأثير المقاهي الإيجابي، عند زبائنها، لاحتلالها أهمية في ظل غياب فضاءات الراحة والترفيه والنوادي، حيث أن لعب “الكارطة” و”الدومينو” لدى المدمن عليها يروّح عن نفسه، ويمنحه، هدوءا ويبعده عن العدوانية.
سابقة تاريخية أوجدتها الضرورة الصحية
ولكن أدى غلق المقاهي، في رأي الهادي سعيدي، كسابقة تاريخية في الجزائر، إلى قطع هذه الأمكنة العمومية، من حياة اجتماعية، تعتبر جزءا من يوميات الكثير من الجزائريين، فهو مكان عمومي، مقطوع من فضاء تواصل، حقيقي، أي نوع من القطيعة مع الآخر، ما قد يزيد في الضغط والخوف من الشعور بالعزلة عند مرتادي المقهى.